للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَين يَدَيْهِ على اعمالها وَذَهَبت حَيْثُ وَجههَا دائبة لَا تفتر فَلَو شاهدته فِي مَحل ملكه والاشغال والمراسيم صادرة عَنهُ وواردة والعساكر فِي خدمته وَالْبرد تَتَرَدَّد بَينه وَبَين جنده ورعيته لرأيت لَهُ شَأْنًا عجيبا فَمَاذَا فَاتَ الْجَاهِل الغافل من الْعَجَائِب والمعارف والعبر الَّتِي لَا يحْتَاج فِيهَا الى طول الاسفار وركوب القفار قَالَ تَعَالَى {وَفِي الأَرْض آيَات للموقنين وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} فَدَعَا عباده الى التفكر فِي أنفسهم وَالِاسْتِدْلَال بهَا على فاطرها وباريها وَلَوْلَا هَذَا لم نوسع الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب وَلَا أطلنا النَّفس الى هَذِه الْغَايَة وَلَكِن الْعبْرَة بذلك حَاصِلَة وَالْمَنْفَعَة عَظِيمَة والفكرة فِيهِ مِمَّا يزِيد الْمُؤمن ايمانا فكم دون الْقلب من حرس وَكم لَهُ من خَادِم وَكم لَهُ من عبيد وَلَا يشْعر بِهِ وَللَّه مَا خلق لَهُ وهيأ لَهُ واريد مِنْهُ وَأعد لَهُ من الْكَرَامَة وَالنَّعِيم اَوْ الهوان وَالْعَذَاب فَأَما على سَرِير الْملك فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر ينظر الى وَجه ربه وَيسمع خطابه وَإِمَّا اسير فِي السجْن الاعظم بَين اطباق النيرَان فِي الْعَذَاب الاليم فَلَو عقل هَذَا السُّلْطَان مَا هيأ لَهُ لضن بِملكه ولسعى فِي الْملك الَّذِي لاينقطع وَلَا يبيد وَلكنه ضربت عَلَيْهِ حجب الْغَفْلَة ليقضى الله امرا كَانَ مَفْعُولا

فصل وَمن جعل فِي الْحلق منفذين احدهما للصوت وَالنَّفس الْوَاصِل الى الرئة

والاخر للطعام وَالشرَاب وَهُوَ المريء الْوَاصِل الى الْمعدة وَجعل بَينهمَا حاجزا يمْنَع عبور احدهما فِي طَرِيق الاخر فَلَو وصل الطَّعَام من منفذ النَّفس الى الرئة لاهلك الْحَيَوَان وَمن جعل الرئة مروحة للقلب تروح عَلَيْهِ لَا تنى وَلَا تفتر لكيلا تَنْحَصِر الْحَرَارَة فِيهِ فَيهْلك وَمن جعل المنافذ لفضلات الْغذَاء وَجعل لَهَا اشراجا تقبضها لكيلا تجرى جَريا دَائِما فتفسد على الانسان عيشه وَيمْنَع النَّاس من مجالسه بَعضهم بَعْضًا وَمن جعل الْمعدة كأشد مَا يكون من العصب لانها هيئت لطبخ الاطعمة وانضاجها فَلَو كَانَت لَحْمًا غضا لانطبخت هِيَ ونضجت فَجعلت كالعصب الشَّديد لتقوى على الطَّبْخ والانضاج وَلَا تنهكها النَّار الَّتِي تحتهَا وَمن جعل الكبد رقيقَة ناعمة لانها هيئت لقبُول الصفو اللَّطِيف من الْغذَاء والهضم وَعمل هُوَ الطف من عمل الْمعدة وَمن حصن المخ اللَّطِيف الرَّقِيق فِي انابيب صلبة من الْعِظَام ليحفظها ويصونها فَلَا تفْسد وَلَا تذوب وَمن جعل الدَّم السيال مَحْبُوسًا محصورا فِي الْعُرُوق بِمَنْزِلَة المَاء فِي الْوِعَاء ليضبط فَلَا يجْرِي وَمن جعل الاظفار على اطراف الاصابع وقاية لَهَا وصيانة من الاعمال والصناعات وَمن جعل دَاخل الاذن مستويا كَهَيئَةِ الْكَوْكَب ليطرد فِيهِ الصَّوْت حَتَّى يَنْتَهِي الى السّمع الدَّاخِل وَقد انْكَسَرت حِدة الْهَوَاء فَلَا ينكؤه وليتعذر على الْهَوَاء النّفُوذ اليه قبل ان يمسك وليمسك

<<  <  ج: ص:  >  >>