للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل وَمِنْهَا انه إِذا شهدنفسه مَعَ ربه مسيئا خاطئا مفرطا مَعَ فرط إِحْسَان

الله اليه فِي كل طرفَة عين وبره بِهِ وَدفعه عَنهُ وَشدَّة حَاجته الى ربه وَعدم استغنائه عَنهُ نفسا وَاحِدًا وَهَذِه حَاله مَعَه فَكيف يطْمع ان يكون النَّاس مَعَه كَمَا يحب وان يعاملوه بمحض الاحسان وَهُوَ لم يُعَامل ربه بِتِلْكَ الْمُعَامَلَة وَكَيف يطْمع ان يطيعه مَمْلُوكه وَولده وَزَوجته فِي كل مَا يُرِيد وَلَا يعصونه لَا يخلون بحقوقه وَهُوَ مَعَ ربه لَيْسَ كَذَلِك وَهَذَا يُوجب لَهُ ان يسْتَغْفر لمسيئهم وَيَعْفُو عَنهُ ويسامحه ويغضي عَن الِاسْتِقْصَاء فِي طلب حَقه فَهَذِهِ الاثمار وَنَحْوهَا مَتى اجتناها العَبْد من الذَّنب فَهِيَ عَلامَة كَونه رَحْمَة فِي حَقه وَمن اجتنى مِنْهُ اضدادها واوجبت لَهُ خلاف مَا ذَكرْنَاهُ فَهِيَ وَالله عَلامَة الشقاوة وَأَنه من هوانه على الله وسقوطه من عينه خلى بَينه وَبَين مَعَاصيه ليقيم عَلَيْهِ حجَّة عدله فيعاقبه باستحقاقه وتتداعى السَّيِّئَات فِي حق مثل هَذَا وتتألف فيتولد من الذَّنب الْوَاحِد مَا شَاءَ الله من المتالف والمعاطب الَّتِي يهوى بهَا فِي دركات الْعَذَاب والمصيبة كل الْمُصِيبَة الذَّنب الَّذِي يتَوَلَّد من الذَّنب ثمَّ يتَوَلَّد من الِاثْنَيْنِ ثَالِث ثمَّ تقوى الثَّلَاثَة فتوجب رَابِعا وهلم جرا وَمن لم يكن لَهُ فقه نفس فِي هَذَا الْبَاب هلك من حَيْثُ لَا يشْعر فالحسنات والسيئات آخذ بَعْضهَا برقاب بعض يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا ويثمر بَعْضهَا بعض قَالَ بعض السّلف إِن من ثَوَاب الْحَسَنَة الْحَسَنَة بعْدهَا وَإِن من عِقَاب السَّيئَة السَّيئَة بعْدهَا وَهَذَا اظهر عِنْد النَّاس من ان تضرب لَهُ الامثال وتطلب لَهُ الشواهد وَالله الْمُسْتَعَان

فصل وَإِذا تَأَمَّلت حكمته سُبْحَانَهُ فِيمَا ابتلى بِهِ عباده وصفوته بِمَا ساقهم

بِهِ الى اجل الغايات وأكمل النهايات الَّتِي لم يكونوايعبرون اليها إِلَّا على جسر من الِابْتِلَاء والامتحان وَكَانَ ذَلِك الجسر لكماله كالجسر الَّذِي لَا سَبِيل الى عبورهم الى الْجنَّة إِلَّا عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك الِابْتِلَاء ولامتحان عين الْمنْهَج فِي حَقهم والكرامة فصورته صُورَة ابتلاء وامتحان وباطنه فِيهِ الرَّحْمَة وَالنعْمَة فكم لله من نعْمَة جسيمة وَمِنْه عَظِيمَة تجنى من قطوف الِابْتِلَاء والامتحان فَتَأمل حَال ابينا آدم وَمَا آلت اليه محنته من الاصطفاء والاجتباء وَالتَّوْبَة وَالْهِدَايَة ورفعة الْمنزلَة وَلَوْلَا تِلْكَ المحنة الَّتِي جرت عَلَيْهِ وَهِي إِخْرَاجه من الْجنَّة وتوابع ذَلِك لما وصل الى مَا وصل اليه فكم بَين حَالَته الاولى وحالته الثَّانِيَة فِي نهايته وَتَأمل حَال ابينا الثَّانِي نوح وَمَا آلت اليه محنته وَصَبره على قومه تِلْكَ الْقُرُون كلهَا حَتَّى اقر الله عينه واغرق اهل الارض بدعوته وَجعل الْعَالم بعده من ذُريَّته وَجعله خَامِس خَمْسَة وهم اولو الْعَزْم الَّذين هم افضل الرُّسُل وَأمر رَسُوله وَنبيه مُحَمَّدًا ان يصبر كصبره واثنى عَلَيْهِ بالشكر فَقَالَ {إِنَّه كَانَ عبدا}

<<  <  ج: ص:  >  >>