للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{شكُورًا} فوصفه بِكَمَال الصَّبْر وَالشُّكْر ثمَّ تَأمل حَال ابينا الثَّالِث إِبْرَاهِيم إِمَام الحنفاء وَشَيخ الانبياء وعمود الْعَالم وخليل رب الْعَالمين من بني آدم وَتَأمل مَا آلت اليه محنته وَصَبره وبذله نَفسه لله وَتَأمل كَيفَ آل بِهِ بذله لله نَفسه وَنَصره دينه الى ان اتَّخذهُ الله خَلِيلًا لنَفسِهِ وامر رَسُوله وخليله مُحَمَّدًا ان يتبع مِلَّته وأنبهك على خصْلَة وَاحِدَة مِمَّا اكرمه الله بِهِ فِي محنته بِذبح وَلَده فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى جازاه على تَسْلِيمه وَلَده لأمر الله بَان بَارك فِي نَسْله وَكَثْرَة حَتَّى مَلأ السهل والجبل فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى لَا يتكرم عَلَيْهِ اُحْدُ وَهُوَ اكرم الاكرمين فَمن ترك لوجهه امرا اَوْ فعله لوجهه بذل الله لَهُ اضعاف مَا تَركه من ذَلِك الامر اضعافا مضاعفة وجازاه باضعاف مَا فعله لاجله اضعافا مضاعفة فَلَمَّا أَمر إِبْرَاهِيم بِذبح وَلَده فبادر لامر الله وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْوَلَد أَبَاهُ رِضَاء مِنْهُمَا وتسليما وَعلم الله مِنْهُمَا الصدْق وَالْوَفَاء فدَاه بِذبح عَظِيم واعطاهما مَا اعطاهما من فَضله وَكَانَ من بعض عطاياه ان بَارك فِي ذريتهما حَتَّى ملؤا الارض فَإِن الْمَقْصُود بِالْوَلَدِ إِنَّمَا هُوَ التناسل وتكثير الذُّرِّيَّة وَلِهَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم {رب هَب لي من الصَّالِحين} وَقَالَ {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي} فغاية مَا كَانَ يحذر ويخشى من ذبح وَلَده انْقِطَاع نَسْله فَلَمَّا بذل وَلَده لله وبذل الْوَلَد نَفسه ضاعف الله لَهُ النَّسْل وَبَارك فِيهِ وَكثر حَتَّى ملؤا الدُّنْيَا وَجعل النُّبُوَّة وَالْكتاب فِي ذُريَّته خَاصَّة وَأخرج مِنْهُم مُحَمَّدًا وَقد ذكر ان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام اراد ان يعلم عدد بني إِسْرَائِيل فَأمر بإحضارهم وَبعث لذَلِك نقباء وعرفاء وامرهم ان يرفعوا اليه مَا بلغ عَددهمْ فَمَكَثُوا مُدَّة لَا يقدرُونَ على ذَلِك فَأوحى الله إِلَى دَاوُد ان قد علمت اني وعدت أَبَاك إِبْرَاهِيم لما أَمرته بِذبح وَلَده فبادر الى طَاعَة امري ان أبارك لَهُ فِي ذُريَّته حَتَّى يصيروا فِي عدد النُّجُوم واجعلهم بِحَيْثُ لَا يُحْصى عَددهمْ وَقد اردت ان يُحْصى عددا قدرت انه لَا يُحْصى وَذكر بَاقِي الحَدِيث فَجعل من نَسْله هَاتين الامتين العظيمتين اللَّتَيْنِ لَا يُحْصى عَددهمْ الا الله خالقهم ورازقهم وهم بَنو إِسْرَائِيل وَبَنُو إسمايعل هَذَا سوى مَا أكْرمه الله بِهِ من رفع الذّكر وَالثنَاء الْجَمِيل على السّنة جَمِيع الامم وَفِي السَّمَوَات بَين الْمَلَائِكَة فَهَذَا من بعض ثَمَرَة مُعَامَلَته فتبا لمن عرفه ثمَّ عَامل غَيره مَا اخسر صفقته وَمَا اعظم حسرته

فصل ثمَّ تَأمل حَال الكليم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا آلت اليه محنته

وفتونه من اول وِلَادَته الى مُنْتَهى امْرَهْ حَتَّى كَلمه الله تكليما وقربه مِنْهُ وَكتب لَهُ التَّوْرَاة بِيَدِهِ وَرَفعه الى اعلى السَّمَوَات وَاحْتمل لَهُ مَالا يحْتَمل لغيره فَإِنَّهُ رمى الالواح على الارض حَتَّى تَكَسَّرَتْ اخذ بلحية نَبِي الله هَارُون وجره اليه وَلَطم وَجه ملك الْمَوْت ففقأ عينه وَخَاصم ربه لَيْلَة الاسراء فِي شَأْن

<<  <  ج: ص:  >  >>