للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ان يصف بِهِ النَّاظر الى قرص الشَّمْس من ضوئها وقدرها وحسنها وعجائب صنع الله فِيهَا وَلَكِن قد رضى الله من عباده بالثناء عَلَيْهِ وَذكر آلائه وأسمائه وَصِفَاته وحكمته وجلاله مَعَ انه لايحصى ثَنَاء عَلَيْهِ ابدا بل هُوَ كَمَا اثنى على نَفسه فَلَا يبلغ مَخْلُوق ثَنَاء عَلَيْهِ تبَارك وَتَعَالَى وَلَا وصف كِتَابه وَدينه بِمَا يَنْبَغِي لَهُ بل لَا يبلغ اُحْدُ من الامة ثَنَاء على رَسُوله كَمَا هُوَ اهل ان يثني عَلَيْهِ بل هُوَ فَوق مَا يثنون بِهِ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا ان الله تَعَالَى يحب ان يحمد ويثني عَلَيْهِ وعَلى كِتَابه وَدينه وَرَسُوله فَهَذِهِ مُقَدّمَة اعتذار بَين يَدي الْقُصُور وَالتَّقْصِير من رَاكب هَذَا الْبَحْر الاعظم وَالله عليم بمقاصد الْعباد دنياهم وَهُوَ اولى بالعذر والتجاوز

فصل وبصائر النَّاس فِي هَذَا النُّور الباهر تَنْقَسِم الى ثَلَاثَة اقسام احدها

من عدم بَصِيرَة الايمان جملَة فَهُوَ لَا يرى من هَذَا الصِّنْف الا الظُّلُمَات والرعد والبرق فَهُوَ يَجْعَل اصبعيه فِي اذنه من الصَّوَاعِق وَيَده على عينه من الْبَرْق خشيَة ان يخطف بَصَره وَلَا يُجَاوز نظره مَا وَرَاء ذَلِك من الرَّحْمَة واسباب الْحَيَاة الابدية فَهَذَا الْقسم هُوَ الَّذِي لم يرفع بِهَذَا الدّين رَأْسا وَلم يقبل هدى الله الَّذِي هدى بِهِ عباده وَلَو جَاءَتْهُ كل آيَة لانه مِمَّن سبقت لَهُ الشقاوة وحقت عَلَيْهِ الْكَلِمَة ففائدة إنذار هَذَا إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِ ليعذب بِذَنبِهِ لَا بِمُجَرَّد علم الله فِيهِ الْقسم الثَّانِي اصحاب البصيرة الضعيفة الخفاشية الَّذين نِسْبَة ابصارهم الى هَذَا النُّور كنسبة ابصار الخفاش الى جرم الشَّمْس فهم تبع لابائهم واسلافهم دينهم دين الْعَادة والمنشأ وهم الَّذين قَالَ فيهم امير الْمُؤمنِينَ على بن ابي طَالب اَوْ منقادا للحق لَا بصيره لَهُ فِي إِصَابَة فَهَؤُلَاءِ إِذا كَانُوا منقادين لاهل البصائر لَا يتخالجهم شكّ وَلَا ريب فهم على سَبِيل نجاة الْقسم الثَّالِث وَهُوَ خُلَاصَة الْوُجُود ولباب بني آدم وهم اولو البصائر النافذة الَّذين شهِدت بصائرهم هَذَا النُّور الْمُبين فَكَانُوا مِنْهُ على بَصِيرَة ويقين ومشاهدة لحسنه وكماله بِحَيْثُ لَو عرض على عُقُولهمْ ضِدّه لراوه كالليل البهم الاسود وَهَذَا هُوَ المحك وَالْفرْقَان بَينهم وَبَين الَّذين قبلهم فَإِن اولئك بِحَسب داعيهم وَمن يقرن بهم كَمَا قَالَ فيهم عَليّ بن ابي طَالب اتِّبَاع كل ناعق يميلون مَعَ كل صائح لم يستضيئوا بِنور الْعلم وَلم يلجئوا الى ركن وثيق هَذَا عَلامَة من عدم البصيرة فَإنَّك ترَاهُ يستحسن الشَّيْء وضده ويمدح الشَّيْء ويذمه بِعَيْنِه إِذا جَاءَ فِي قالب لَا يعرفهُ فيعظم طَاعَة الرَّسُول وَيرى عَظِيما مُخَالفَته ثمَّ هُوَ من اشد النَّاس مُخَالفَة لَهُ ونفيا لما اثبته ومعاداة للقائمين بسنته وَهَذَا من عدم البصيرة فَهَذَا الْقسم الثَّالِث إِنَّمَا عَمَلهم على البصائر وَبهَا تفَاوت مَرَاتِبهمْ فِي دَرَجَات الْفضل كَمَا قَالَ بعض السّلف وَقد ذكر السَّابِقين فَقَالَ إِنَّمَا كَانُوا يعْملُونَ على البصائر وَمَا اوتي اُحْدُ افضل من بَصِيرَة فِي دين الله وَلَو قصر فِي الْعَمَل قَالَ تَعَالَى وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل

<<  <  ج: ص:  >  >>