للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهل ذَلِك على سَبِيل الْوُجُوب أَو الِاسْتِحْبَاب فِيهِ قَولَانِ للسلف وَالْخلف وهما فِي مَذْهَب أَحْمد فعلى القَوْل الأول بالاستحباب إِذا أوصى للأجانب دونهم صحت الْوَصِيَّة وَلَا شَيْء للأقارب وعَلى القَوْل بِالْوُجُوب فَهَل لَهُم أَن يبطلوا وَصِيَّة الْأَجَانِب ويختصوا هم بِالْوَصِيَّةِ كَمَا للْوَرَثَة يبطلوا وَصِيَّة الْوَارِث أَو يبطلوا مَا زَاد على ثلث الثُّلُث ويختصوا هم بثلثيه كَمَا للْوَرَثَة أَن يبطلوا مَا زَاد على ثلث المَال من الْوَصِيَّة وَيكون الثُّلُث فِي حَقهم بِمَنْزِلَة المَال كُله فِي حق الْوَرَثَة على وَجْهَيْن وَهَذَا الثَّانِي أَقيس وأفقه وسره أَن الثُّلُث لما صَار مُسْتَحقّا لَهُم كَانَ بِمَنْزِلَة جَمِيع المَال فِي حق الْوَرَثَة وهم لَا يَكُونُوا أقوى من الْوَرَثَة فَكَمَا لَا سَبِيل للْوَرَثَة إِلَى أبطال الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ للأجانب فَلَا سَبِيل لهَؤُلَاء إِلَى إبِْطَال الْوَصِيَّة بِثلث الثُّلُث للأجانب وَتَحْقِيق هَذِه الْمسَائِل وَالْكَلَام على مَا أَخذهَا لَهُ مَوضِع آخر وَالْمَقْصُود هُنَا أَن إِيجَاب الْوَصِيَّة للأقارب وَأَن نسخ لم يبطل بِالْكُلِّيَّةِ بل بَقِي مِنْهُ مَا هُوَ منشأ الْمصلحَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَنسخ مِنْهُ مَالا مصلحَة فِيهِ بل الْمصلحَة فِي خِلَافه وَمن ذَلِك نسخ الِاعْتِدَاد فِي الْوَفَاة بحول بالاعتداد بأَرْبعَة أشهر وَعشر على الْمَشْهُور من الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك فَلم تبطل الْعدة الأولى جملَة

وَمن ذَلِك حبس الزَّانِيَة فِي الْبَيْت حَتَّى تَمُوت فَإِنَّهُ على أحد الْقَوْلَيْنِ لَا نسخ فِيهِ لِأَنَّهُ مغيا بِالْمَوْتِ أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا وَقد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا بِالْحَدِّ وعَلى القَوْل الْأُخَر هُوَ مَنْسُوخ بِالْحَدِّ وَهُوَ عُقُوبَة من جنس عُقُوبَة الْحَبْس فَلم تبطل الْعقُوبَة عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بل نقلت من عُقُوبَة إِلَى عُقُوبَة وَكَانَت الْعقُوبَة الأولى أصلح فِي وَقتهَا لأَنهم كَانُوا حَدِيثي عهد بجاهلية وزنا فَأمروا بِحَبْس الزَّانِيَة أَولا ثمَّ لما استوطنت أنفسهم على عقوبتها وَخَرجُوا عَن عوائد الْجَاهِلِيَّة وركنوا إِلَى التَّحْرِيم والعقوبة نقلوا إِلَى مَا هُوَ أغْلظ من الْعقُوبَة الأولى وَهُوَ الرَّجْم وَالْجَلد فَكَانَت كل عُقُوبَة فِي وَقتهَا هِيَ الْمصلحَة الَّتِي لَا يصلحهم سواهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ إِنَّمَا هُوَ فِي نسخ الحكم الَّذِي ثَبت بشرعه وَأمره وَأما مَا كَانَ مستصحبا بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة فَهَذَا لَا يلْزم من رَفعه بَقَاء شَيْء مِنْهُ لِأَنَّهُ لم يكن مصلحَة لَهُم وَإِنَّمَا أخر عَنْهُم تَحْرِيمه إِلَى وَقت لضرب من الْمصلحَة فِي تَأْخِير التَّحْرِيم وَلم يلْزم من ذَلِك أَن يكون مصلحَة حِين فعلهم أَيَّاهُ وَهَذَا كتحريم الرِّبَا والمسكر وَغير ذَلِك من الْمُحرمَات الَّتِي كَانُوا يفعلونها استصابا لعدم التَّحْرِيم فَإِنَّهَا لم تكن مصلحَة فِي وَقت وَلِهَذَا لم يشرعها الله تَعَالَى وَلِهَذَا كَانَ رَفعهَا بِالْخِطَابِ لَا يُسمى نسخا إِذْ لَو كَانَ ذَلِك نسخا لكَانَتْ الشَّرِيعَة كلهَا نسخا وَإِنَّمَا النّسخ رفع الحكم الثَّابِت بِالْخِطَابِ لَا رفع مُوجب الِاسْتِصْحَاب وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ

فصل وَأما مَا خلقه سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ أوجده لحكمة فِي إيجاده فَإِذا اقْتَضَت

حكمته إعدامه جملَة أعدمه وأحدث بدله وَإِذا اقْتَضَت حكمته تبدليه وتغييره وتحويله من صُورَة بدله وَغَيره

<<  <  ج: ص:  >  >>