للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّادِقين وَأَنه لَا يقبح مِنْهُ واستلزامه التَّسْوِيَة بَين التَّثْلِيث والتوحيد فِي الْعقل وَأَنه قبل وُرُود النُّبُوَّة لَا يقبح التَّثْلِيث وَلَا عبَادَة الْأَصْنَام وَلَا مسَبَّة المعبود وَلَا شَيْء من أَنْوَاع الْكفْر وَلَا السَّعْي فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَلَا تقبيح شَيْء من القبائح أصلا وَقد الْتزم النفاة ذَلِك وَقَالُوا أَن هَذِه الْأَشْيَاء لم تقبح عقلا وَإِنَّمَا جِهَة قبحها السّمع فَقَط وانه لَا فرق قبل السّمع بَين ذكر الله وَالثنَاء عَلَيْهِ وحمده وَبَين ضد ذَلِك وَلَا بَين شكره بِمَا يقدر عَلَيْهِ العَبْد وَبَين ضِدّه وَلَا بَين الصدْق وَالْكذب والعفة والفجور وَالْإِحْسَان إِلَى الْعَالم والإساءة إِلَيْهِم بِوَجْه مَا وَإِنَّمَا التَّفْرِيق بِالشَّرْعِ بَين متماثلين من كل وَجه وَقد كَانَ تصور هَذَا الْمَذْهَب على حَقِيقَته كَافِيا فِي الْعلم بِبُطْلَانِهِ وَأَن لَا يتَكَلَّف رده وَلِهَذَا رغب عَنهُ فحول الْفُقَهَاء والنظار من الطوائف كلهم فأطبق أَصْحَاب أبي حنيفَة على خِلَافه وحكوه عَن أبي حنيفَة نصا وَاخْتَارَهُ من أَصْحَاب أَحْمد أَبُو الْخطاب وَابْن عقيل وَأَبُو يعلى الصَّغِير وَلم يقل أحد من متقدميهم بِخِلَافِهِ وَلَا يُمكن أَن ينْقل عَنْهُم حرف وَاحِد مُوَافق للنفاة وَاخْتَارَهُ من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن على بن إِسْمَاعِيل الْقفال الْكَبِير وَبَالغ فِي إثْبَاته وَبنى كِتَابه محَاسِن الشَّرِيعَة عَلَيْهِ وَأحسن فِيهِ مَا شَاءَ وَكَذَلِكَ الإِمَام سعيد بن على الزنجانى بَالغ فِي إِنْكَاره على أبي الْحسن الأشعرى القَوْل بِنَفْي التحسين والتقبيح وَأَنه لم يسْبقهُ إِلَيْهِ أحد وَكَذَلِكَ أَبُو الْقَاسِم الرَّاغِب وَكَذَلِكَ أَبُو عبد الله الحليمى وخلائق لَا يُحصونَ وكل من تكلم فِي علل الشَّرْع ومحاسنه وَمَا تضمنه من الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد فَلَا يُمكنهُ ذَلِك إِلَّا بتقرير الْحسن والقبح العقليين إِذْ لَو كَانَ حسنه وقبحه بِمُجَرَّد الْأَمر والنهى لم يتَعَرَّض فِي إِثْبَات ذَلِك لغير الْأَمر وَالنَّهْي فَقَط وعَلى تَصْحِيح ذَلِك فَالْكَلَام فِي الْقيَاس وَتَعْلِيق الْأَحْكَام بالأوصاف الْمُنَاسبَة الْمُقْتَضِيَة لَهَا دون الْأَوْصَاف الطردية الَّتِي لَا مُنَاسبَة فِيهَا فَيجْعَل الأول ضابطا للْحكم دون الثَّانِي لَا يُمكن إِلَّا على إِثْبَات هَذَا الأَصْل فَلَو تَسَاوَت الْأَوْصَاف فِي نَفسهَا لانسد بَاب الْقيَاس والمناسبات وَالتَّعْلِيل بالحكم والمصالح ومراعات الْأَوْصَاف المؤثرة دون الْأَوْصَاف الَّتِي لَا تَأْثِير لَهَا

فصل وَإِذا قد انتهينا فِي هَذِه المسئلة إِلَى هَذَا الْموضع وَهُوَ بحرها

ومعظمها فلنذكر سرها وغايتها وأصولها الَّتِي أَثْبَتَت عَلَيْهَا فبذلك تتمّ الْفَائِدَة فَإِن كثيرا من الْأُصُولِيِّينَ ذكروها مُجَرّدَة وَلم يتَعَرَّضُوا لسرها وَأَصلهَا الَّذِي أَثْبَتَت عَلَيْهِ وللمسئلة ثَلَاثَة أصُول هِيَ أساسها

الأَصْل الأول هَل أَفعَال الرب تَعَالَى وأوامره معللة بالحكم والغايات وَهَذِه من أجل مسَائِل التَّوْحِيد الْمُتَعَلّقَة بالخلق وَالْأَمر بِالشَّرْعِ وَالْقدر الأَصْل الثَّانِي أَن تِلْكَ الحكم الْمَقْصُودَة فعل يقوم بِهِ سُبْحَانَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>