للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْكُلِّيَّةِ وأنكروها جملَة فَلَا حِكْمَة عِنْدهم وَلَا تَعْلِيل وَلَا محبَّة تزيد على الْمَشِيئَة وَلما أنكر الْمُعْتَزلَة رُجُوع الْحِكْمَة إِلَيْهِ تَعَالَى سلطوا عَلَيْهِم خصومهم فأبدوا تناقضهم وكشفوا عَوْرَاتهمْ وَلما سلك أهل السّنة القَوْل الْوسط وتوسطوا بَين الْفَرِيقَيْنِ لم يطْمع أحد فِي مناقضتهم وَلَا فِي إِفْسَاد قَوْلهم وَأَنت إِذا تَأَمَّلت حجج الطَّائِفَتَيْنِ وَمَا ألزمته كل مِنْهُمَا لِلْأُخْرَى علمت أَن من سلك القَوْل الْوسط لم يلْزمه شَيْء من إلزاماتهم وَلَا تناقضهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين هادي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم

فصل وَقد سلم كثير من النفاة أَن كَون الْفِعْل حسنا أَو قبيحا بِمَعْنى

الملاءمة والمنافرة والكمال وَالنُّقْصَان عَقْلِي وَقَالَ نَحن لَا ننازعكم فِي الْحسن والقبح بِهَذَيْنِ الاعتبارين وَإِنَّمَا النزاع فِي إثْبَاته عقلا بِمَعْنى كَونه مُتَعَلق الْمَدْح والذم عَاجلا وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب آجلا فعندنا لَا مدْخل لِلْعَقْلِ فِي ذَلِك وَإِنَّمَا يعلم بِالسَّمْعِ الْمُجَرّد قَالَ هَؤُلَاءِ فيطلق الْحسن والقبح بِمَعْنى الملاءمة والمنافرة وَهُوَ عَقْلِي وَبِمَعْنى الْكَمَال وَالنُّقْصَان وَهُوَ عَقْلِي وَبِمَعْنى إستلزامه للثَّواب وَالْعِقَاب وَهُوَ مَحل النزاع وَهَذَا التَّفْصِيل لَو أعطي حَقه والتزمت لوازمه رفع النزاع وَأعَاد المسئلة اتفاقية وَأَن كَون الْفِعْل صفة كَمَال أَو نُقْصَان يسْتَلْزم إثباب تعلق الملاءمة والمنافرة لِأَن الْكَمَال مَحْبُوب للْعَالم وَالنَّقْص مبغوض لَهُ وَلَا معنى للملاءمة والمنافرة إِلَّا الْحبّ والبغض فَإِن الله سُبْحَانَهُ يحب الْكَامِل من الْأَفْعَال والأقوال والأعمال ومحبته لذَلِك بِحَسب كَمَاله وَيبغض النَّاقِص مِنْهَا ويمقته ومقته لَهُ بِحَسب نقصانه وَلِهَذَا أسلفنا أَن من أصُول المسئلة إِثْبَات صفة الْحبّ والبغض لله فَتَأمل كَيفَ عَادَتْ المسئلة إِلَيْهِ وتوقفت عَلَيْهِ وَالله سُبْحَانَهُ يحب كل مَا أَمر بِهِ وَيبغض كل مَا نهى عَنهُ وَلَا يُسمى ذَلِك ملاءمة أَو منافرة بل يُطلق عَلَيْهِ الْأَسْمَاء الَّتِي أطلقها على نَفسه وأطلقها عَلَيْهِ رَسُوله من محبته للْفِعْل الْحسن الْمَأْمُور بِهِ وبغضه للْفِعْل الْقَبِيح ومقته لَهُ وَمَا ذَاك إِلَّا لكَمَال الأول ونقصان الثَّانِي فَإِذا كَانَ الْفِعْل مستلزما للكمال وَالنُّقْصَان وأستلزامه لَهُ عَقْلِي والكمال وَالنُّقْصَان يسْتَلْزم الْحبّ والبغض الَّذِي سميتموه ملاءمة ومنافرة واستلزامه عَقْلِي فبيان كَون الْفِعْل حسنا كَامِلا محبوبا مرضيا وَكَونه قبيحا نَاقِصا مسحوطا مبغوضا أَمر عَقْلِي بَقِي حَدِيث الْمَدْح والذم وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَمن أحَاط علما بِمَا اسلفناه فِي ذَلِك انكشفت لَهُ المسئلة واسفرت عَن وَجههَا وَزَالَ عَنْهَا كل شُبْهَة وإشكال فَأَما الْمَدْح والذم فترتبه على النُّقْصَان والكمال والمتصف بِهِ وذمهم لمؤثر النَّقْص والمتصف بِهِ أَمر عَقْلِي فطري وإنكاره يزاحم المكابرة وَأما الْعقَاب فقد قَررنَا أَن ترتبه على فعل الْقَبِيح مَشْرُوط بِالسَّمْعِ وَأَنه إِنَّمَا انتفي عِنْد انْتِفَاء السّمع انْتِفَاء الْمَشْرُوط لانْتِفَاء شَرطه لَا انتفاءه لَا انْتِفَاء سَببه فَإِن سَببه قَائِم ومقتضيه مَوْجُود إِلَّا أَنه لم يتم لتوقف على شَرطه وعَلى

<<  <  ج: ص:  >  >>