للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل ومتابعة هدى الله الَّتِي رتب عَلَيْهَا هَذِه الامور هِيَ تَصْدِيق خَبره من

غير اعْتِرَاض شُبْهَة تقدح فِي تَصْدِيقه وامتثال امْرَهْ من غير اعْتِرَاض شَهْوَة تمنع امتثاله وعَلى هذَيْن الاصلين مدَار الايمان وهما تَصْدِيق الْخَبَر وَطَاعَة الامر ويتبعهما امران آخرَانِ وهما نفي شُبُهَات الْبَاطِل الْوَارِدَة عَلَيْهِ الْمَانِعَة من كَمَال التَّصْدِيق وان لَا يخمش بهَا وَجه تَصْدِيقه وَدفع شهوات الغي الْوَارِدَة عَلَيْهِ الْمَانِعَة من كَمَال الِامْتِثَال فَهُنَا اربعة امور احدها تَصْدِيق الْخَبَر الثَّانِي بذل الِاجْتِهَاد فِي رد الشُّبُهَات الَّتِي توحيها شياطين الْجِنّ والانس فِي معارضته الثَّالِث طَاعَة الامر وَالرَّابِع مجاهدة النَّفس فِي دفع الشَّهَوَات الَّتِي تحول بَين العَبْد وَبَين كَمَال الطَّاعَة وَهَذَانِ الامران اعني الشُّبُهَات والشهوات اصل فَسَاد العَبْد وشقائه فِي معاشه ومعاده كَمَا ان الاصلين الاولين وهما تَصْدِيق الْخَبَر وَطَاعَة الامر اصل سعادته وفلاحه فِي معاشه ومعاده وَذَلِكَ ان العَبْد لَهُ قوتان قُوَّة الادراك وَالنَّظَر وَمَا يتبعهَا من الْعلم والمعرفة وَالْكَلَام وَقُوَّة الارادة وَالْحب وَمَا يتبعهُ من النِّيَّة والعزم وَالْعَمَل فالشبهة تُؤثر فَسَادًا فِي الْقُوَّة العلمية النظرية مَا لم يداوها بدفعها والشهوة تُؤثر فَسَادًا فِي الْقُوَّة الارادية العملية مَا لم يداوها باخراجها قَالَ الله تَعَالَى فِي حق نبيه يذكر مامن بِهِ عَلَيْهِ من نزاهته وطهارته مِمَّا يلْحق غَيره من ذَلِك {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} فَمَا ضل دَلِيل على كَمَال علمه ومعرفته وانه على الْحق الْمُبين وَمَا غوى دَلِيل على كَمَال رشده وَأَنه أبر الْعَالمين فَهُوَ الْكَامِل فِي علمه وَفِي عمله وَقد وصف بذلك خلفاءه من بعده وَأمر باتبَاعهمْ على سنتهمْ فَقَالَ عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره فالراشد ضد الغاوي وَالْمهْدِي ضد الضال وَقد قَالَ تَعَالَى كَالَّذِين من قبلكُمْ كَانُوا اشد مِنْكُم قُوَّة وَأكْثر اموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كَمَا استمتع الَّذين من قبلكُمْ بخلاقهم وخضتم كَالَّذي خَاضُوا اولئك حبطت اعمالهم فِي الدُّنْيَا والاخرة وَأُولَئِكَ هم الخاسرون فَذكر تَعَالَى الاصلين وهما دَار الاولين والاخرين احدهما الِاسْتِمْتَاع بِالْخِلَافِ وَهُوَ النَّصِيب من الدُّنْيَا والاستمتاع بِهِ مُتَضَمّن لنيل الشَّهَوَات الْمَانِعَة من مُتَابعَة الامر بِخِلَاف الْمُؤمن فَإِنَّهُ وان نَالَ من الدُّنْيَا وشهواتها فَإِنَّهُ لَا يسْتَمْتع بِنَصِيبِهِ كُله وَلَا يذهب طيباته فِي حَيَاته الدُّنْيَا بل ينَال مِنْهَا مَا ينَال مِنْهَا ليتقوى بِهِ على التزود لمعاده وَالثَّانِي الْخَوْض بِالشُّبُهَاتِ الْبَاطِلَة وَهُوَ قَوْله {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} وَهَذَا شَأْن النُّفُوس الْبَاطِلَة الَّتِي لم تخلق للآخرة لاتزال ساعية فِي نيل شهواتها فَإِذا نالتها فَإِنَّمَا هِيَ فِي خوض بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا يجدي عَلَيْهَا إِلَّا الضَّرَر العاجل والاجل وَمن تَمام حِكْمَة الله تَعَالَى انه يبتلى هَذِه النُّفُوس بالشقاء والتعب فِي تَحْصِيل مراداتها وشهواتها فَلَا تتفرغ للخوض بِالْبَاطِلِ الا قَلِيلا وَلَو تفرغت هَذِه النُّفُوس الباطولية

<<  <  ج: ص:  >  >>