للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَو عرف الْقَوْم صِفَات الْأَرْوَاح وأحكامها لعلموا أَن طَاعَة من لَا تجب عِبَادَته محَال وَأَن من أَتَى بِصُورَة الطَّاعَة خوفًا مُجَردا عَن الْحبّ فَلَيْسَ بمطيع وَلَا عَابِد وانما هُوَ كالمكره أَو كأجير السوء الَّذِي أَن أعْطى عمل وان لم يُعْط كفر وأبق وَسَيَرِدُ عَلَيْك بسط الْكَلَام فِي هَذَا قريب عَن أَن شَاءَ الله وَالْمَقْصُود أَن الطَّاعَة وَالْعِبَادَة الناشئة عَن محبَّة الْكَمَال وَالْجمال أعظم من الطَّاعَة الناشئة عَن رُؤْيَة الْأَنْعَام وَالْإِحْسَان وَفرق عَظِيم بَين مَا تعلق بالحي الَّذِي لَا يَمُوت وَبَين مَا تعلق بالمخلوق وان شَمل النَّوْعَيْنِ اسْم الْمحبَّة وَلَكِن كم بَين من يحبك لذاتك وأوصافك وجمالك وَبَين من يحبك لخيرك ودراهمك

فصل والأسماء الْحسنى وَالصِّفَات الْعلَا مقتضية لآثارها من الْعُبُودِيَّة

وَالْأَمر اقتضاءها لآثارها من الْخلق والتكوين فَلِكُل صفة عبودية خَاصَّة هِيَ من موجباتها ومقتضياتها أعنى من مُوجبَات الْعلم بهَا والتحقق بمعرفتها وَهَذَا مطرد فِي جَمِيع أَنْوَاع الْعُبُودِيَّة الَّتِي على الْقلب والجوارح فَعلم العَبْد بتفرد الرب تَعَالَى بالضر والنفع وَالعطَاء وَالْمَنْع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يُثمر لَهُ عبودية التَّوَكُّل عَلَيْهِ بَاطِنا ولوازم التَّوَكُّل وثمراته ظَاهرا وَعلمه بسمعه تَعَالَى وبصره وَعلمه وَأَنه لَا يخفى عَلَيْهِ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض وَأَنه يعلم السِّرّ وأخفى وَيعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفى الصُّدُور يُثمر لَهُ حفظ لِسَانه وجوارحه وخطرات قلبه عَن كل مَالا يرضى الله وَأَن يَجْعَل تعلق هَذِه الْأَعْضَاء بِمَا يُحِبهُ الله ويرضاه فيثمر لَهُ ذَلِك الْحيَاء بَاطِنا ويثمر لَهُ الْحيَاء اجْتِنَاب الْمُحرمَات والقبائح ومعرفته بغناه وجوده وَكَرمه وبره وإحسانه وَرَحمته توجب لَهُ سَعَة الرَّجَاء وتثمر لَهُ ذَلِك من أَنْوَاع الْعُبُودِيَّة الظَّاهِرَة والباطنة بِحَسب مَعْرفَته وَعلمه وَكَذَلِكَ مَعْرفَته بِجلَال الله وعظمته وعزه تثمر لَهُ الخضوع والاستكانة والمحبة وتثمر لَهُ تِلْكَ الْأَحْوَال الْبَاطِنَة أنواعا من الْعُبُودِيَّة الظَّاهِرَة هِيَ موجباتها وَكَذَلِكَ علمه بِكَمَالِهِ وجماله وَصِفَاته العلى يُوجب لَهُ محبَّة خَاصَّة بِمَنْزِلَة أَنْوَاع الْعُبُودِيَّة فَرَجَعت الْعُبُودِيَّة كلهَا إِلَى مُقْتَضى الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وارتبطت بهَا ارتباط الْخلق بهَا فخلقه سُبْحَانَهُ وَأمره هُوَ مُوجب أَسْمَائِهِ وَصِفَاته فِي الْعَالم وآثارها ومقتضاها لِأَنَّهُ لَا يتزين من عباده بطاعتهم وَلَا تشينه معصيتهم وَتَأمل قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي يرويهِ عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى يَا عبَادي أَنكُمْ لن تبلغوا ضرى فتضروني وَلنْ تبلغوا نفعي فتنفعوني ذكر هَذَا عقب قَوْله يَا عبَادي إِنَّكُم تخطئون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَأَنا أَغفر الذُّنُوب جَمِيعًا فاستغفروني أَغفر لكم فتضمن ذَلِك أَن مَا يَفْعَله تَعَالَى بهم فِي غفران زلاتهم وَإجَابَة دعواتهم وتفريج كرباتهم لَيْسَ لجلب مَنْفَعَة مِنْهُم

<<  <  ج: ص:  >  >>