للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَريَّة فِي أَخذ هَذِه بِهَذِهِ سِيمَا وَقد أَبَاحَ لأوليائه دِمَاء أعدائه وجعلهم قرابين لَهُم وانما اقْتَضَت حكمته أَن يكفوا عَنْهُم إِذا صَارُوا تَحت قهرهم وإذلالهم كالعبيد لَهُم يؤدون إِلَيْهِم الْجِزْيَة الَّتِي هِيَ خراج رُؤْسهمْ مَعَ بَقَاء السَّبَب الْمُوجب لاباحة دِمَائِهِمْ وَهَذَا التّرْك والكف لَا يَقْتَضِي اسْتِوَاء الدمين عقلا وَلَا شرعا وَلَا مصلحَة وَلَا ريب أَن الدمين قبل الْقَهْر والإذلال لم يَكُونَا بمستويين لأجل الْكفْر فَأَي مُوجب لِاسْتِوَائِهِمَا بعد الاستذلال والقهر وَالْكفْر قَائِم بِعَيْنِه فَهَل فِي الْحِكْمَة وقواعد الشَّرِيعَة وموجبات الْعُقُول أَن يكون الإذلال والقهر للْكَافِرِ مُوجبا لمساواة دَمه لدم الْمُسلم هَذَا مِمَّا تأباه الْحِكْمَة والمصلحة والعقول وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنى وكشف الغطاء وأوضح الْمُشكل بقوله الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ أَو قَالَ الْمُؤْمِنُونَ فعلق الْمُكَافَأَة بِوَصْف لَا يجوز إلغاؤه وإهداره وتعليقها بِغَيْرِهِ إِذْ يكون أبطالا لما اعْتَبرهُ الشَّارِع واعتبارا لما أبْطلهُ فَإِذا علق الْمُكَافَأَة بِوَصْف الْأَيْمَان كَانَ كتعليقه سَائِر الْأَحْكَام بالأوصاف كتعليق الْقطع بِوَصْف السّرقَة وَالرَّجم بِوَصْف الزِّنَا وَالْجَلد بِوَصْف الْقَذْف وَالشرب وَلَا فرق بَينهمَا أصلا فَكل من علق الْأَحْكَام بِغَيْر الْأَوْصَاف الَّتِي علقها بِهِ الشَّارِع كَانَ تَعْلِيقه مُنْقَطِعًا منصرما وَهَذَا مِمَّا اتّفق أَئِمَّة الْفُقَهَاء على صِحَّته فقد أدّى نظر الْعقل إِلَى أَن دم عَدو الله الْكَافِر لَا يُسَاوِي دم وليه وَلَا يكافيه أبدا وَجَاء الشَّرْع بِمُوجبِه فَأَي مُعَارضَة هَاهُنَا وَأي حيرة أَن هُوَ إِلَّا بَصِيرَة على بَصِيرَة وَنور على نور وَلَيْسَ هَذَا مَكَان اسْتِيعَاب الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وانما الْغَرَض التَّنْبِيه على أَن فِي صَرِيح الْعقل الشَّهَادَة لما جَاءَ بِهِ الشَّرْع فِيهَا

فصل وَعكس هَذَا أَنه لم تشْتَرط الْمُكَافَأَة فِي علم وَجَهل وَلَا فِي كَمَال

وقبح وَلَا فِي شرف وضعة وَلَا فِي عقل وجنون وَلَا فِي أَجْنَبِيَّة وقرابة خلا الْوَالِد وَالْولد وَهَذَا من كَمَال الْحِكْمَة وَتَمام النِّعْمَة وَهُوَ فِي غَايَة الْمصلحَة إِذْ لَو روعيت هَذِه الْأُمُور لتعطلت مصلحَة الْقصاص إِلَّا فِي النَّادِر الْبعيد إِذْ قل أَن يَسْتَوِي شخصان من كل وَجه بل لَا بُد من التَّفَاوُت بَينهمَا فِي هَذِه الْأَوْصَاف أَو فِي بَعْضهَا فَلَو أَن الشَّرِيعَة جَاءَت بِأَن لَا يقْتَصّ إِلَّا من مكافئ من كل وَجه لفسد الْعَالم وَعظم الْهَرج وانتشر الْفساد وَلَا يجوز على عَاقل وضع هَذِه السياسة الجائرة وواضعها إِلَى السَّفه أقرب مِنْهُ إِلَى الْحِكْمَة فَلَا جرم أهدتك الشَّرَائِع إِلَى اعْتِبَار ذَلِك وَأما الْوَلَد وَالْوَالِد فَمنع من جَرَيَان الْقصاص بَينهمَا حَقِيقَة البعضية والجزئية الَّتِي بَينهمَا فان الْوَلَد جُزْء من الْوَالِد وَلَا يقْتَصّ لبَعض أَجزَاء الْإِنْسَان من بعض وَقد أَشَارَ تَعَالَى إِلَى ذَلِك بقوله {وَجعلُوا لَهُ من عباده جُزْءا} وَهُوَ قَوْلهم الْمَلَائِكَة بَنَات الله فَدلَّ على أَن الْوَلَد جُزْء من الْوَالِد وعَلى هَذَا الأَصْل امْتنعت شَهَادَته لَهُ وقطعه بِالسَّرقَةِ من مَاله وَحده أَبَاهُ على قذفه وَعَن هَذَا الأَصْل ذهب كثير من السّلف وَمِنْهُم الْأَمَام أَحْمد وَغَيره إِلَى أَن لَهُ أَن يتَمَلَّك

<<  <  ج: ص:  >  >>