للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عَبده وَإِذا عرف هَذَا فالظلم وَالْكفْر والفسوق والعصيان وأنواع الشرور وَاقعَة فِي مفعولاته الْمُنْفَصِلَة الَّتِي لَا يَتَّصِف بهَا دون أَفعاله الْقَائِمَة بِهِ وَمن انْكَشَفَ لَهُ لهَذَا الْمقَام فهم معنى قَوْله وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك فَهَذَا الْفرق الْعَظِيم يزِيل أَكثر الشّبَه الَّتِي حارت لَهَا عقول كثير من النَّاس فِي هَذَا الْبَاب وَهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بأذنه وَالله يهدي من يَشَاء إِلَيّ صِرَاط مُسْتَقِيم فَمَا فِي مخلوقاته ومفعولاته تَعَالَى من الظُّلم وَالشَّر فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيّ فَاعله الْمُكَلف الَّذِي قَامَ بِهِ الْفِعْل كَمَا أَنه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ يكون زنا وسرقة وعدوانا وأكلا وشربا ونكاحا فَهُوَ الزَّانِي السَّارِق الْآكِل الناكح وَالله خَالق كل فَاعل وَفعله وَلَيْسَت نِسْبَة هَذِه الْأَفْعَال إِلَيّ خَالِقهَا كنسبتها إِلَيّ فاعلها الَّذِي قَامَت بِهِ كَمَا أَن نِسْبَة صِفَات المخلوقين إِلَيْهِ كَطُولِهِ وقصره وَحسنه وقبحه وشكله ولونه لَيست كنسبتها إِلَيّ خَالِقهَا فِيهِ فَتَأمل هَذَا الْموضع واعط الْفرق حَقه وَفرق بَين النسبتين فَكَمَا أَن صِفَات الْمَخْلُوق لَيست صِفَات لله بِوَجْه وان كَانَ هُوَ خَالِقهَا فَكَذَلِك أَفعاله لَيست أفعالا لله تَعَالَى وَلَا إِلَيْهِ وان كَانَ هُوَ خَالِقهَا فلنرجع الْآن إِلَيّ مَا نَحن بصدده فَنَقُول الْأَمر الَّذِي كتبه على نَفسه مُسْتَحقّ عَلَيْهِ الْحَمد وَالثنَاء ويتعالى ويتقدس عَن تَركه إِذْ تَركه منَاف للثناء وَالْحَمْد الَّذِي يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ متضمنا لما يسْتَحق لذاته وَهَذَا بِحَمْد الله بَين عِنْد من أُوتى الْعلم والأيمان وَهُوَ مُسْتَقر فِي فطرهم لَا ينسخه مِنْهَا شُبُهَات المبطلين وَهَذَا الْموضع مِمَّا خفى على طائفتي الْقَدَرِيَّة والجبرية فخبطوا فِي عشواء وخبطوا فِي لَيْلَة ظلماء وَالله الْمُوفق الْهَادِي للصَّوَاب

فصل وَقد ظهر بِهَذَا بطلَان قَول طائفتين مَعًا الَّذين وضعُوا لله شَرِيعَة

بعقولهم أوجبوا عَلَيْهِ وحرموا مِنْهَا مَا لم يُوجِبهُ على نَفسه وَلم يحرمه على نَفسه وسووا بَينه وَبَين عباده فِيمَا يحسن مِنْهُم ويقبح وَبِذَلِك استطال عَلَيْهِم خصومهم وأبدوا مناقضتهم وكشفوا عَوْرَاتهمْ وبينوا فضائحهم وَكَذَلِكَ بطلَان قَول الطَّائِفَة الَّتِي جوزت عَلَيْهِ كل شَيْء وَأنْكرت حكمته وجحدت فِي الْحَقِيقَة مَا يسْتَحقّهُ من الْحَمد وَالثنَاء على مَا يَفْعَله مِمَّا يمدح بِفِعْلِهِ وعَلى ترك مَا يتْركهُ مَعَ قدرته عَلَيْهِ مِمَّا يمدح بِتَرْكِهِ وَجعلت النَّوْعَيْنِ وَاحِدًا وَلَا فرق عِنْدهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى بَين فعل مَا يمدح بِفِعْلِهِ وَبَين تَركه وَلَا بَين ترك مَا يمدح بِتَرْكِهِ وَبَين فعله وَبِهَذَا تسلط عَلَيْهِم خصومهم وأبدوا مناقضتهم وبينوا فضائحهم قَالَ المتوسطون وَأما نَحن فَلَا يلْزمنَا شَيْء من هَذِه الفضائح والأباطيل فانا لم نوافق طَائِفَة من الطَّائِفَتَيْنِ على كل مَا قالته بل وَافَقنَا كل طَائِفَة فِيمَا أَصَابَت فِيهِ الْحق وخالفناها فِيمَا خَالَفت فِيهِ الْحق فَكُنَّا أسعد بِهِ من الطَّائِفَتَيْنِ وَللَّه الْمِنَّة وَالْفضل هَذَا قَوْلنَا قد أوضحناه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غَايَة الْإِيضَاح وأفصحنا عَنهُ بِمَا أمكننا من الافصاح فَمن وجد سَبِيلا إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>