للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْن لَهُ معرفَة الله تَعَالَى بأسمائه وَصِفَاته وَالْآيَة الَّتِي تعرف بهَا الله إِلَيّ عباده على السّنة رسله وَمن أَيْن لَهُ معرفَة تفاصيل شَرعه وَدينه الَّذِي شَرعه لِعِبَادِهِ وَمن أَيْن لَهُ تفاصيل مواقع محبته وَرضَاهُ وَسخطه

وكراهته وَمن أَيْن لَهُ معرفَة تفاصيل ثَوَابه وعقابه وَمَا أعد لأوليائه وَمَا اعد لأعدائه ومقادير الثَّوَاب وَالْعِقَاب وكيفيتهما ودرجاتهما وَمن أَيْن لَهُ معرفَة الْغَيْب الَّذِي لم يظْهر الله عَلَيْهِ أحدا من خلقه إِلَّا من ارْتَضَاهُ من رسله إِلَيّ غير ذَلِك مِمَّا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وبلغته عَن الله وَلَيْسَ فِي الْعقل طَرِيق إِلَيّ مَعْرفَته فَكيف يكون معرفَة حسن بعض الْأَفْعَال وقبحها بِالْعقلِ مغنيا عَمَّا جَاءَت بِهِ الرُّسُل فَظهر أَن مَا ذكرتموه مُجَرّد تهويل مشحون بالأباطيل وَالْحَمْد لله

وَقد ظهر بِهَذَا الْقُصُور الفلاسفة فِي معرفَة النبوات وَأَنَّهُمْ لَا علم عِنْدهم بهَا إِلَّا كعلم عوام النَّاس بِمَا عِنْدهم من ألعقليات بل علمهمْ بالنبوات وحقيقتها وَعظم قدرهَا وَمَا جَاءَت بِهِ اقل بِكَثِير من علم الْعَامَّة بعقلياتهم فهم عوام بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا كَمَا أَن من لم يعرف علومهم عوام بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم فلولا النبوات لم يكن فِي الْعَالم علم نَافِع الْبَتَّةَ وَلَا عمل صَالح وَلَا صَلَاح فِي معيشته وَلَا قوام لمملكة ولكان النَّاس بِمَنْزِلَة الْبَهَائِم وَالسِّبَاع العادية وَالْكلاب الضارية الَّتِي يعدو بَعْضهَا على بعض وكل دين فِي الْعَالم

فَمن آثَار النُّبُوَّة وكل شَيْء وَقع فِي الْعَالم أَو سيقع فبسبب خَفَاء آثَار النُّبُوَّة ودروسها فالعالم حِينَئِذٍ روحه النُّبُوَّة وَلَا قيام للجسد بِدُونِ روحه وَلِهَذَا إِذا تمّ انكساف شمس النُّبُوَّة من الْعَالم وَلم يبْق فِي الأَرْض شَيْء من أثارها الْبَتَّةَ انشقت سماؤه وانتثرت كواكبه وكورت شمسه وخسفت قمره ونسفت جباله وزلزلت أرضه وَأهْلك من عَلَيْهَا فَلَا قيام للْعَالم إِلَّا بأثار النُّبُوَّة وَلِهَذَا كَانَ كل مَوضِع ظَهرت فِيهِ آثَار النُّبُوَّة فأهله أحسن حَالا وَأصْلح بَالا من الْموضع الَّذِي يخفى فِيهِ آثارها وَبِالْجُمْلَةِ فحاجة الْعَالم إِلَيّ النُّبُوَّة أعظم من حَاجتهم إِلَيّ نور الشَّمْس وَأعظم من حَاجتهم إِلَيّ المَاء والهواء الَّذِي لَا حَيَاة لَهُم بِدُونِهِ

فصل وَأما مَا ذكره الفلاسفة من مَقْصُود الشَّرَائِع وان ذَلِك لاستكمال

النَّفس قوى الْعلم وَالْعَمَل والشرائع ترد بتمهيد مَا تقرر فِي الْعقل بتعبيره إِلَيّ آخِره فَهَذَا مقَام يجب الاعتناء بِشَأْنِهِ وَأَن لَا نضرب عَنهُ صفحا فَنَقُول للنَّاس فِي الْمَقْصُود بالشرائع والأوامر والنواهي أَرْبَعَة طرق: أَحدهَا طَرِيق من يَقُول أَن الفلاسفة وأتباعهم من المنتسبين إِلَيّ الْملَل أَن الْمَقْصُود بهَا تَهْذِيب أَخْلَاق النُّفُوس وتعديلها لتستعد بذلك لقبُول الْحِكْمَة العلمية والعملية وَمِنْهُم من يَقُول لتستعد بذلك لِأَن تكون محلا لانتقاش صور المعقولات فِيهَا ففائدة ذَلِك عِنْدهم كالفائدة

<<  <  ج: ص:  >  >>