للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَت من لفظ رَسُول الله على أَن هَهُنَا مسلكا بعيد المأخذ لطيف المنزع يتقبله الْعقل السَّلِيم والفطرة السليمة وَهُوَ أَن كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر وَجب لَهما من الْخُشُوع والخضوع بانمحاء نورهما وانقطاعه عَن هَذَا الْعَالم مَا يكون فِيهِ سلطانهما وبهاؤهما وَذَلِكَ يُوجب لَا محَالة لَهما من الْخُشُوع والخضوع لرب الْعَالمين وعظمته وجلاله وَمَا يكون سَببا لتجلى الرب تبَارك وَتَعَالَى لَهما وَلَا يستنكرون ان يكون تجلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهما فِي وَقت معِين كَمَا يدنو من أهل الْموقف عَشِيَّة عَرَفَة وكما ينزل كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدِّينَا عِنْد مضى نصف اللَّيْل فَيحدث لَهما ذَلِك التجلى خشوعا آخر لَيْسَ هُوَ الْكُسُوف وَلم يقل النبى أَن الله إِذا تجلى لَهما انكسفا وَلَكِن اللَّفْظَة فَإِذا تجلى الله لشَيْء من خلقه خشع لَهُ وَلَفظ الإِمَام أَحْمد فِي الحَدِيث إِذا بدا الله لشىء من خلقه خشع لَهُ فَهُنَا خشوعان خشوع أوجبه كسوفهما بذهاب ضوئهما وانمحائه فتجلى الله سُبْحَانَهُ لَهما فَحدث لَهما عِنْد تجليه تَعَالَى خشوع آخر سَبَب التجلى كَمَا حدث للجبل إِذْ تجلى تبَارك وَتَعَالَى لَهُ ان صَار دكا وساخ فِي الأَرْض وَهَذَا غَايَة الْخُشُوع لَكِن الرب تبَارك وَتَعَالَى ثبتهما لتجليه عناية بخلقه لانتظام مصالحهم بهما وَلَو شَاءَ سُبْحَانَهُ لثبت الْجَبَل لتجليه كَمَا ثبتهما وَلَكِن أرى كليمه مُوسَى أَن الْجَبَل الْعَظِيم لم يطق الثَّبَات لَهُ فَكيف تطِيق أَنْت الثَّبَات للرؤية الَّتِى سَأَلتهَا ٠

فصل وَأما استدلاله بِحَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي إِذا ذكر الْقدر

فأمسكوا وَإِذا ذكر أَصْحَابِي فامسكوا وَإِذا ذكر النُّجُوم فامسكوا فَهَذَا الحَدِيث لَو ثَبت لَكَانَ حجَّة عَلَيْهِ لَا لَهُ إِذْ لَو كَانَ علم الْأَحْكَام النجومية حَقًا لَا بَاطِلا لم ينْه عَنهُ النَّبِي وَلَا أَمر بالإمساك عَنهُ فَإِنَّهُ لَا ينْهَى عَن الْكَلَام فِي الْحق بل هَذَا يدل على أَن الخائض فِيهِ خائض فِيمَا لَا علم لَهُ بِهِ وانه لَا ينبغى لَهُ أَن يَخُوض فِيهِ وَيَقُول على الله مَالا يعلم فَأَيْنَ فِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل على صِحَة علم أَحْكَام النُّجُوم ٠ وَأما أَحَادِيث النَّهْي عَن السّفر وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب فَصَحِيح من كَلَام المنجمين وَأما رَسُول رب الْعَالمين فبرىء مِمَّن نسب إِلَيْهِ هَذَا الحَدِيث وامثاله وَلَكِن إِذا بعد الْإِنْسَان عَن نور النُّبُوَّة واشتدت غربته عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُول جوز عقله مثل هَذَا كَمَا يجوز عقل الْمُشْركين يَقُول النَّبِي لَو حسن أحدكُم ظَنّه بِحجر نَفعه وَهَذَا وَنَحْوه من كَلَام عباد الْأَصْنَام الَّذين حسنوا ظنهم بالأحجار فساقهم حسن ظنهم إِلَى دَار الْبَوَار

وَأما الرِّوَايَة عَن عَليّ أَنه نهى عَن السّفر وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب فَمن الْكَذِب على عَليّ رضى الله عَنهُ وَالْمَشْهُور عَنهُ خلاف ذَلِك وَعَكسه وانه أَرَادَ الْخُرُوج لِحَرْب الْخَوَارِج فاعترضه منجم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تخرج فَقَالَ لأى شىء قَالَ إِن الْقَمَر فِي الْعَقْرَب فَإِن خرجت أصبت وَهزمَ عسكرك فَقَالَ عَليّ رضى الله عَنهُ مَا كَانَ لرَسُول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>