للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي التَّمْهِيد من حَدِيث الْمقري عَن أَبى لَهِيعَة حَدثنَا ابْن هُبَيْرَة عَن أَبى عبد الرَّحْمَن الجيلى عَن عبد الله بن عمر عَن رَسُول قَالَ من أرجعته الطَّيرَة من حَاجته فقد أشرك قَالَ وَمَا كَفَّارَة ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ أَن يَقُول أحدهم اللَّهُمَّ لاطير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك ثمَّ يمضى لِحَاجَتِهِ ٠٠

وَذكر ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد قَالَ سَمِعت نَافِع بن جُبَير ابْن مطعم يَقُول سَأَلَ كَعْب الْأَحْبَار عبد الله بن عمر هَل تتطير فَقَالَ نعم قَالَ فَكيف تَقول إِذا تطيرت قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا رب غَيْرك وَلَا قُوَّة إِلَّا بك فَقَالَ كَعْب أَنه أفقه الْعَرَب وَالله إِنَّهَا لكذلك فِي التَّوْرَاة وَهَذَا الَّذِي جعله الله سُبْحَانَهُ فِي طباع النَّاس وغرائزهم من الْإِعْجَاب بالأسماء الْحَسَنَة والألفاظ المحبوبة وَهُوَ نَظِير مَا جعل فِي غرائزهم من الْإِعْجَاب بالمناظر الأنيقة والرياض المنورة والمياه الصافية والألوان الْحَسَنَة والروائح الطّيبَة والمطاعم المستلذة وَذَلِكَ أَمر لَا يُمكن دَفعه وَلَا يحد الْقلب عَنهُ انصرافا فَهُوَ ينفع الْمُؤمن وَيسر نَفسه وينشطها وَلَا يَضرهَا فِي إيمَانهَا وتوحيدها وَأخْبر فِي حَدِيث أَبى هُرَيْرَة أَن الفأل من الطَّيرَة وَهُوَ خَيرهَا فَقَالَ لَا طيرة وَخَيرهَا الفأل فَأبْطل الطَّيرَة وَأخْبر أَن الفأل مِنْهَا وَلكنه خَيرهَا ففصل بَين الفأل والطيرة لما بَينهمَا من الامتياز والتضاد ونفع أَحدهمَا ومضرة الآخر وَنَظِير هَذَا مَنعه من الرقاء بالشرك وإذنه فِي الرّقية إِذا لم تكن شركا لما فِيهَا من الْمَنْفَعَة الخالية عَن الْمفْسدَة وَقد اعتاص هَذَا الْفرْقَان على أفهام كثير مِمَّن غلظ عَن معرفَة الْحق وَالدّين حجابه وَغلظ عَنهُ طبعه وكشف عَنهُ فهمه فَقَالَ السَّامع إِذا سمع مثلا يَا بِشَارَة أَو أبشر أَو لَا تخف أَو يانجيح وَنَحْوه وَسمع ضد ذَلِك فَأَما أَن يُوجب الْأَمر أَن مايشاكلهما وَأما وَأَن لَا يوجبا شَيْئا فَأَما أَن يُوجب أَحدهمَا دون الآخر فَلَا وَجه لَهُ وَهَذَا من عمى عَن الْهدى وصم عَن سَمَاعه وَإِنَّمَا تحصل الْهِدَايَة من أَلْفَاظ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وتشرق ألفاظها فِي صدر من تلقاها بالتصديق وَالْقَبُول فأذعن لَهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وقابلها بالرضى وَالتَّسْلِيم وَعلم أَنَّهَا منبع الْهدى ومعين الْحق وَنحن بِحَمْد الله نوضح لمن اشْتبهَ ذَلِك عَلَيْهِ فرقان مَا بَينهمَا وَفَائِدَة الفأل ومضرة الطَّيرَة فَنَقُول ٠٠

الفأل والطيرة وَإِن كَانَ مأخذهما سَوَاء ومجتناهما وَاحِدًا فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بالمقاصد ويفترقان بالمذاهب فَمَا كَانَ محبوبا مستحسنا تفاءلوا بِهِ وسموه الفأل وأحبوه ورضوه وَمَا كَانَ مَكْرُوها قبيحا منفرا تشاءموا بِهِ وكرهوه وتطيروا مِنْهُ وسموه طيرة تعرقة بَين الْأَمريْنِ وتفصيلا بَين الْوَجْهَيْنِ وَسُئِلَ بعض الْحُكَمَاء فَقيل لَهُ مَا بالكم تَكْرَهُونَ الطَّيرَة وتحبون الفأل فَقَالَ لنا فِي الفأل عَاجل الْبُشْرَى وَإِن قصر عَن الأمل ونكره الطَّيرَة لما يلْزم قُلُوبنَا من الوجل وَهَذَا الْفرْقَان حسن جدا وَأحسن مِنْهُ مَا قَالَه ابْن الرُّومِي فِي ذَلِك الفأل لِسَان الزَّمَان والطيرة عنوان الْحدثَان وَقد كَانَت الْعَرَب تقلب الْأَسْمَاء تطيرا وتفاؤل

<<  <  ج: ص:  >  >>