للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَعْوَاهَا ذميمة وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث غير مَالك من رِوَايَة أنس أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا نزلنَا دَارا فَكثر فِيهَا عددنا وَكَثُرت فِيهَا أَمْوَالنَا ثمَّ تَحَوَّلْنَا إِلَى أُخْرَى فَقلت فِيهَا أَمْوَالنَا وَقل فِيهَا عددنا فَقَالَ رَسُول الله وَذكره فَلَيْسَ هَذَا من الطَّيرَة الْمنْهِي عَنْهَا وَإِنَّمَا أَمرهم بالتحول عَنْهَا عِنْد مَا وَقع فِي قُلُوبهم مِنْهَا لمصلحتين ومنفعتين إِحْدَاهمَا مفارقتهم لمَكَان هم لَهُ مستثقلون وَمِنْه مستوحشون لما لحقهم فِيهِ ونالهم ليتعجلوا الرَّاحَة مِمَّا داخلهم من الْجزع فِي ذَلِك الْمَكَان والحزن والهلع لِأَن الله عز وَجل قد جعل فِي غرائز النَّاس وتركيبهم استثقال مَا نالهم الشَّرّ فِيهِ وَإِن كَانَ لاسبب لَهُ فِي ذَلِك وَحب مَا جرى لَهُم على يَدَيْهِ الْخَيْر وَإِن لم يردهم بِهِ فَأَمرهمْ بالتحول مِمَّا كرهوه لِأَن الله عز وَجل بَعثه رَحْمَة وَلم يَبْعَثهُ عذَابا وأرسله ميسرًا وَلم يُرْسِلهُ مُعسرا فَكيف يَأْمُرهُم بالْمقَام فِي مَكَان قد أحزنهم الْمقَام بِهِ واستوحشوا عِنْده لِكَثْرَة من فقدوه فِيهِ لغير منفعَته وَلَا طَاعَة وَلَا مزِيد تقوى وَهدى فَلَا سِيمَا وَطول مقامهم فِيهَا بعد مَا وصل إِلَى قُلُوبهم مِنْهَا مَا وصل قد يَبْعَثهُم ويدعوهم إِلَى التشاؤم والتطير فيوقعهم ذَلِك فِي أَمريْن عظيمين أَحدهمَا مُقَارنَة الشّرك وَالثَّانِي حُلُول مَكْرُوه أحزنهم بِسَبَب الطَّيرَة الَّتِي إِنَّمَا تلْحق المتطير فحماهم بِكَمَال رأفته وَرَحمته من هذَيْن المكروهين بمفارقة تِلْكَ الدَّار والاستبدال بهَا من غير ضَرَر يلحقهم بذلك فِي دنيا وَلَا نقص فِي دين وَهُوَ حِين فهم عَنْهُم فِي سُؤَالهمْ مَا أرادوه من التعرف عَن حَال رحلتهم عَنْهَا هَل ذَلِك لَهُم ضار مؤد إِلَى الطَّيرَة قَالَ دَعُوهَا ذميمة وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْخَارِج من أَرض بهَا الطَّاعُون غير فار مِنْهُ وَلَو منع النَّاس الرحلة من الدَّار الَّتِي تتوالى عَلَيْهِم المصائب والمحن فِيهَا وَتعذر الأرزاق مَعَ سَلامَة التَّوْحِيد فِي الرحلة للَزِمَ ذَلِك أَن كل من ضَاقَ عَلَيْهِ رزق فِي بلد أَن لَا ينْتَقل مِنْهُ إِلَى بلد آخر وَمن قلت فَائِدَة صناعته أَن لَا ينْتَقل عَنْهَا إِلَى غَيرهَا ٠

فصل وَأما قَول النَّبِي للَّذي سل سَيْفه يَوْم أحد شم سَيْفك فَإِنِّي

أرى السيوف ستنسل الْيَوْم فَهَذِهِ الْقِصَّة لم يكن الرجل قد سل فِيهَا السَّيْف وَلَكِن الْفرس لوح بِذَنبِهِ فسل السَّيْف وَلم يرد صَاحبه سَله هَكَذَا فِي الْقِصَّة وَلَا ريب أَن الْحَرْب تقوم بِالْخَيْلِ وَالسُّيُوف وَلما لوح الْفرس بِذَنبِهِ فاستل السَّيْف قَالَ النَّبِي أَنى أرى السيوف ستنسل الْيَوْم فَهَذَا لَهُ محمل من ثَلَاثَة محامل أَحدهَا أَن النَّبِي أخبر عَن ظن ظَنّه فِي ذَلِك وَلم يَجْعَل هَذَا دَلِيلا تَمامًا فِي كل وَاقعَة تشبه هَذِه وَإِذا كَانَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَهُوَ أحد أَتبَاع رَسُول الله صبى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل من أمته كَانَ إِذا قَالَ أَظن كَذَا أَو أرى كَذَا خرج الْأَمر كَمَا ظَنّه وحسبه فَكيف الظَّن برَسُول الله الثَّانِي ان النَّبِي كَانَ قد علم قبل مخرجه أَن السيوف

<<  <  ج: ص:  >  >>