للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفى الشَّفَاعَة الشركية الَّتِي كَانُوا يعتقدونها وأمثالهم من الْمُشْركين وَهِي شَفَاعَة الوسائط لَهُم عِنْد الله فِي جلب مَا يَنْفَعهُمْ وَدفع مَا يضرهم بذواتها وأنفسها بِدُونِ توقف ذَلِك على إِذن الله ومرضاته لمن شَاءَ أَن يشفع فِيهِ الشافع فَهَذِهِ الشَّفَاعَة الَّتِي أبطلها الله سُبْحَانَهُ ونفاها وَهِي أصل الشّرك كُله وقاعدته الَّتِي عَلَيْهَا بِنَاؤُه وأخبيته الَّتِي يرجع إِلَيْهَا وَأثبت سُبْحَانَهُ الشَّفَاعَة الَّتِي لَا تكون إِلَّا بِإِذن الله للشافع وَرضَاهُ عَن الْمَشْفُوع قَوْله وَعَمله وَهِي الشَّفَاعَة الَّتِي تنَال بتجريد التَّوْحِيد كَمَا قَالَ أسعد النَّاس بشفاعتي من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا من قلبه والشفاعة الأولى هِيَ الشَّفَاعَة الَّتِي ظَنّهَا الْمُشْركُونَ وَجعلُوا الشّرك وَسِيلَة إِلَيْهَا فالمقامات ثَلَاثَة

أَحدهَا تَجْرِيد التَّوْحِيد وَإِثْبَات الْأَسْبَاب وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع وَهُوَ مُطَابق للْوَاقِع فِي نفس الْأَمر وَالثَّانِي الشّرك فِي الْأَسْبَاب بالمعبود كَمَا هُوَ حَال الْمُشْركين عَليّ اخْتِلَاف إصنافهم وَالثَّالِث إِنْكَار الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ مُحَافظَة من منكرها على التَّوْحِيد فالمنحرفون طرفان مذمومان إِمَّا قَادِح فِي التَّوْحِيد بالأسباب وَأما مُنكر للأسباب بِالتَّوْحِيدِ وَالْحق غير ذَلِك وَهُوَ إِثْبَات التَّوْحِيد والأسباب وربط أَحدهمَا بِالْآخرِ فالأسباب مَحل حكمه الديني والكوني والحكمان عَلَيْهَا يجريان بل عَلَيْهَا يَتَرَتَّب الْأَمر والنهى وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب ورضى الرب وَسخطه ولعنته وكرامته والتوحيد تَجْرِيد الربوية والإلهية عَن كل شرك فإنكار الْأَسْبَاب إِنْكَار الْحِكْمَة والشرك بهَا قدح فِي توحيده واثباتها والتعلق بِالسَّبَبِ والتوكل عَلَيْهِ والثقة بِهِ وَالْخَوْف مِنْهُ والرجاء لَهُ وَحده هُوَ مَحْض التَّوْحِيد والمعرفة تفرق بَين مَا أثْبته الرَّسُول وَبَين مَا نَفَاهُ وَبَين مَا أبْطلهُ وَبَين مَا اعْتَبرهُ فَهَذَا لون وَهَذَا لون وَالله الْمُوفق للصَّوَاب ٠

فصل وَيُشبه هَذَا مَا روى عَنهُ من نَهْيه عَن وَطْء الغيل وَهُوَ

وَطْء الْمَرْأَة إِذا كَانَت ترْضع وَإنَّهُ يشبه قتل الْوَلَد سرا وَأَنه يدْرك الْفَارِس قيد عثره وَقَوله فِي حَدِيث آخر لقد هَمَمْت أَن أنهى عَنهُ ثمَّ رَأَيْت فَارس وَالروم يَفْعَلُونَهُ وَلَا يضر ذَلِك أَوْلَادهم شَيْئا وَقد قيل أَن أحد الْحَدِيثين مَنْسُوخ بِالْآخرِ وَإِن لم تعلم عين النَّاسِخ مِنْهَا من الْمَنْسُوخ لعدم علمنَا بالتاريخ وَقيل وَهُوَ أحسن أَن النَّفْي وَالْإِثْبَات لم يتواردا على مَحل وَاحِد فَإِنَّهُ صلى الله علية وَسلم أخبر فِي أحد الْجَانِبَيْنِ أَنه يفعل فِي الْوَلِيد مثل مَا يفعل من يصرع الْفَارِس عَن فرسه كَأَنَّهُ يدعثره ويصرعه وَذَلِكَ يُوجب نوع أَذَى وَلكنه لَيْسَ بقتل للْوَلَد وإهلاك لَهُ وَإِن كَانَ قد يَتَرَتَّب عَلَيْهِ نوع أَذَى للطفل فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى تَركه وَلم ينْه عَنهُ بل قَالَ علام يفعل أحدكُم ذَلِك وَلم يقل لَا تفعلوه فَلم يَجِيء عَنهُ لفظ وَاحِد بالنهى عَنهُ ثمَّ عزم على النهى سدا لذريعة الْأَذَى الَّذِي ينَال الرَّضِيع فَرَأى أَن سد هَذِه الذريعة لَا يُقَاوم الْمفْسدَة الَّتِي تترتب على الْإِمْسَاك عَن وَطْء النِّسَاء مُدَّة الرَّضَاع وَلَا سِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>