للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاعْلَم رَحِمك الله أَن التَّعْزِيَة هِيَ التصبير وَذكر مَا يسلي صَاحب الْمَيِّت ويخفف حزنه ويهون مصيبته وَهِي مُسْتَحبَّة لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَة على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهِي أَيْضا دَاخِلَة فِي قَول الله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَهَذَا من أحسن مَا يسْتَدلّ بِهِ فِي التَّعْزِيَة وَاعْلَم أَن التَّعْزِيَة هِيَ الْأَمر بِالصبرِ مُسْتَحبّ قبل الدفن وَبعده قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي من حِين يَمُوت الْمَيِّت وَتبقى بعد الدفن إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ أَصْحَابنَا وَتكره التَّعْزِيَة بعد ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن التَّعْزِيَة تسكن قلب الْمُصَاب وَالْغَالِب سُكُون قلبه بعد الثَّلَاثَة فَلَا يجدد لَهُ الْحزن هَكَذَا قَالَه الجماهير من أَصْحَابنَا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس من أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالتعزية بعد ثَلَاثَة أَيَّام بل تبقى أبداً وَإِن طَال الزَّمَان قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله وَالْمُخْتَار أَنَّهَا لَا تفعل بعد ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا فِي صُورَتَيْنِ استثناهما أَصْحَابنَا وهما إِذا كَانَ المعزي أَو صَاحب الْمُصِيبَة غَائِبا حَال الدفن وَاتفقَ رُجُوعه بعد ثَلَاثَة أَيَّام والتعزية بعد الدفن أفضل مِنْهَا قبله لِأَن أهل الْمَيِّت مشغولون بتجهيزه وَلِأَن وحشتهم بعد دَفنه لفراقه أَكثر هَذَا إِذا لم ير مِنْهُم جزعاً فَإِن رَآهُ قدم التَّعْزِيَة ليسكنهم وَالله أعلم وَيكرهُ الْجُلُوس للتعزية يَعْنِي أَن يجْتَمع أهل الْمَيِّت فِي بَيت ليقصدهم من أَرَادَ التَّعْزِيَة وَلَفظ التَّعْزِيَة مَشْهُور وَأحسن مَا يعزى بِهِ مَا روينَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ أرْسلت إِحْدَى بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرسول تَدعُوهُ وَتُخْبِرهُ أَن ابْنا لَهَا فِي الْمَوْت فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للرسول ارْجع إِلَيْهَا فَأَخْبرهَا إِن لله مَا أَخذ وَله مَا أعطي وكل شَيْء عِنْده بِأَجل مُسَمّى فَمُرْهَا فَلتَصْبِر ولتحتسب وَذكر تَمام الحَدِيث قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله فَهَذَا الحَدِيث من أعظم قَوَاعِد الْإِسْلَام الْمُشْتَملَة على مهمات كَثِيرَة من أصُول الدين وفروعه والآداب وَالصَّبْر على النَّوَازِل كلهَا والهموم والأسقام وَغير ذَلِك من الْأَغْرَاض وَمعنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله مَا أَخذ أَن الْعَالم كُله ملك لله لم يَأْخُذ مَا هُوَ لكم بل هُوَ أَخذ مَا هُوَ لَهُ عنْدكُمْ فِي معنى الْعَارِية وَقَوله وَله مَا أعطى

<<  <   >  >>