للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينحن كل يَوْم فَأَنا معذب بذلك النَّار عَن يَمِيني وَعَن شمَالي وَخَلْفِي وأمامي لسوء مقَال أُمِّي فَلَا جزاها الله عني خيراً ثمَّ بكى حَتَّى بَكَيْت لبكائه ثمَّ قَالَ يَا صَالح بِاللَّه عَلَيْك اذْهَبْ إِلَيْهَا فَهِيَ فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ وَعلم لي الْمَكَان وَقل لَهَا لم تعذبي ولدك يَا أُمَّاهُ ربيتني وَمن الأسواء وقيتني فَلَمَّا مت فِي الْعَذَاب رميتني يَا أُمَّاهُ لَو رأيتيني الأغلال فِي عنقِي والقيد فِي قدمي وملائكة الْعَذَاب تضربني وتنهرني فَلَو رَأَيْت سوء حَالي لرحمتيني وَإِن لم تتركي مَا أَنْت عَلَيْهِ من الندب والنياحة الله بيني وَبَيْنك يَوْم تشقق سَمَاء عَن سَمَاء ويبرز الْخَلَائق لفصل الْقَضَاء قَالَ صَالح فَاسْتَيْقَظت فَزعًا وَمَكَثت فِي مَكَاني قلقاً إِلَى الْفجْر فَلَمَّا أَصبَحت دخلت الْبَلَد وَلم يكن لي هم إِلَّا الدَّار الَّتِي لأم الصَّبِي الشَّاب فاستدللت عَلَيْهَا فأتيتها فَإِذا بِالْبَابِ مسود وَصَوت النوادب والنوائح خَارج من الدَّار فطرقت الْبَاب فَخرجت إِلَيّ عَجُوز فَقَالَت مَا تُرِيدُ يَا هَذَا فَقلت أُرِيد أم الشَّاب الَّذِي مَاتَ فَقَالَت وَمَا تصنع بهَا هِيَ مَشْغُولَة بحزنها فَقلت أرسليها إِلَيّ معي رِسَالَة من وَلَدهَا فَدخلت فَأَخْبَرتهَا فَخرجت أم وَعَلَيْهَا ثِيَاب سود ووجهها قد اسود من كَثْرَة الْبكاء واللطم فَقَالَت لي من أَنْت قلت أَنا صَالح المري جرى لي البارحة فِي الْمَقَابِر مَعَ ولدك كَذَا وَكَذَا رَأَيْته فِي الْعَذَاب وَهُوَ يَقُول يَا أُمِّي ربيتيني وَمن الأسواء وقيتيني فَلَمَّا مت فِي الْعَذَاب رميتيني وَإِن لم تتركي مَا أَنْت عَلَيْهِ الله بيني وَبَيْنك يَوْم تشقق سَمَاء عَن سَمَاء فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك غشي عَلَيْهَا وَسَقَطت إِلَى الأَرْض فَلَمَّا أفاقت بَكت بكاء شَدِيدا وَقَالَت يَا وَلَدي يعز عَليّ وَلَو علمت ذَلِك بحالك مَا فعلت وَأَنا تائبة إِلَى الله تَعَالَى من ذَلِك ثمَّ دخلت وصرفت النوائح ولبست غير تِلْكَ الثِّيَاب وأخرجت إِلَيّ كيساً فِيهِ دَرَاهِم كَثِيرَة وَقَالَت يَا صَالح تصدق بِهَذِهِ عَن وَلَدي قَالَ صَالح فودعتها ودعوت لَهَا وانصرفت وتصدقت عَن وَلَدهَا بِتِلْكَ الدَّرَاهِم فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة الْأُخْرَى أتيت الْمَقَابِر على عادتي فَنمت فَرَأَيْت أهل الْقُبُور قد خَرجُوا من قُبُورهم وجلسوا على عَادَتهم وأتتهم الأطباق وَإِذ ذَاك الشَّاب ضَاحِك فَرح

<<  <   >  >>