للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ لَا تقل هَكَذَا وَلَكِن قل هَذَا مَا رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه صَالح عَنهُ يَنْبَغِي للرجل إِذا حمل نَفسه على الْفتيا أَن يكون عَالما بِوُجُوه الْقُرْآن عَالما بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة عَالما بالسنن وَإِنَّمَا جَاءَ خلاف من خَالف لقلَّة معرفتهم بِمَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقلة معرفتهم لصحيحها من سقيمها

وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ سَمِعت أبي يَقُول لَا تكَاد ترى أحدا نظر فِي الرَّأْي إِلَّا وَفِي قلبه دغل وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد أَيْضا سَمِعت أبي يَقُول الحَدِيث الضَّعِيف أحب إِلَيّ من الرَّأْي وَقَالَ عبد الله سَأَلت أبي عَن الرجل يكون بِبَلَد لَا يجد فِيهِ إِلَّا صَاحب حَدِيث لَا يعرف صَحِيحه وسقيمه وَأَصْحَاب الرَّأْي فتنزل بهم النَّازِلَة فَقَالَ أَي يسْأَل فَقَالَ يسْأَل أَصْحَاب الحَدِيث وَلَا يسْأَل أَصْحَاب الرَّأْي ضَعِيف الحَدِيث أقوى عندنَا من الرَّأْي

وَالْحَاصِل أَن السّلف كلهم على ذمّ الرَّأْي وَالْقِيَاس الْمُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَأَنه لَا يحل الْعَمَل بِهِ لَا فتيا وَلَا قَضَاء وَإِن الرَّأْي الَّذِي لَا يعلم مُخَالفَته للْكتاب وَالسّنة وَلَا مُوَافَقَته فغايته أَن يسوغ الْعَمَل بِهِ عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ من غير إِلْزَام وَلَا إِنْكَار على من خَالفه

والتقليد الْمنْهِي عَنهُ منقسم على ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا الْإِعْرَاض عَمَّا أنزل الله تَعَالَى وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ اكْتِفَاء بتقليد الْآبَاء الثَّانِي تَقْلِيد من لَا يعلم الْمُقَلّد أَنه أهل أَن يَأْخُذ بقوله الثَّالِث التَّقْلِيد بعد قيام الْحجَّة وَظُهُور الدَّلِيل على خلاف قَول الْمُقَلّد وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين النَّوْع الأول أَن الأول قلد قبل تمكنه من الْعلم وَالْحجّة وَهَذَا قلد بعد ظُهُور الْحجَّة فَهُوَ أولى بالذم ومعصية الله تَعَالَى وَرَسُوله انْتهى قلت وَقد تقدم فِي الْمُقدمَة آيَات من الْقُرْآن تدل على ذمّ التَّقْلِيد بأقسامه

قَالَ ابْن الْقيم فَإِن قيل إِنَّمَا ذمّ الله تَعَالَى من قلد الْكفَّار وآباءه الَّذين لَا يعْقلُونَ شَيْئا وَلَا يَهْتَدُونَ وَلم يذم من قلد الْعلمَاء المهتدين بل قد أَمر بسؤال أهل الذّكر وهم أهل الْعلم وَذَلِكَ تَقْلِيد لَهُم فَقَالَ تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَهَذَا امْر لمن لَا يعلم بتقليد من يعلم

فَالْجَوَاب أَن الله سُبْحَانَهُ ذمّ من أعرض عَمَّا أنزلهُ إِلَى تَقْلِيد الْآبَاء وَهَذَا الْقدر من التَّقْلِيد هُوَ مِمَّا اتّفق السّلف وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة على ذمه وتحريمه وَأما تَقْلِيد من بذل جهده فِي اتِّبَاع مَا أنزل الله تَعَالَى وخفي عَلَيْهِ بعضه فقلد فِيهِ من هُوَ أعلم مِنْهُ فَهَذَا مَحْمُود غير مَذْمُوم ومأجور وَهُوَ التَّقْلِيد الْوَاجِب وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} والتقليد لَيْسَ بِعلم بِاتِّفَاق أهل الْعلم قَالَ تَعَالَى {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء} فَأمر بِاتِّبَاع الْمنزل خَاصَّة والمقلد لَيْسَ لَهُ علم أَن

<<  <   >  >>