للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّاسِ، فَرَأَى سَوَادِي، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، فَلَمّا رَآنِي قَالَ: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، ظَعِينَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَأَنَا مُتَلَفّفَةٌ فِي ثِيَابِي، قَالَ: مَا خَلّفَك يَرْحَمُك اللهُ؟ قَالَتْ: فَمَا كَلّمَتْهُ، ثُمّ قَرّبَ الْبَعِيرَ، فَقَالَ: ارْكَبِي، وَاسْتَأْخَرَ عَنّي.

قَالَتْ: فَرَكِبْتُ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ سَرِيعًا، يَطْلُبُ النّاسَ، فَوَاَللهِ مَا أَدْرَكْنَا النّاسَ، وَمَا افْتَقَدْت حَتّى أَصْبَحْتُ، وَنَزَلَ النّاسُ، فَلَمّا اطْمَأَنّوا طَلَعَ الرّجُلُ يَقُودُ بِي، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَارْتَعَجَ الْعَسْكَرُ، وَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ بشىء من ذلك.

ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمْ أَلْبَثَ أَنْ اشْتَكَيْتُ شكوى شديدة، ولا يبلغنى من ذلك شىء، وقد انتهى الحديث إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى أَبَوَيّ لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، إلّا أَنّي قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض لُطْفِهِ بِي، كُنْت إذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي، وَلَطَفَ بِي، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِي فِي شَكْوَايَ تِلْكَ، فَأَنْكَرْت ذَلِكَ مِنْهُ، كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيّ وَعِنْدِي أُمّي تُمَرّضُنِي- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أُمّ رُومَانَ، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ دُهْمَانَ، أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ- قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ، لَا يزيد على ذلك.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ: حَتّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، حِينَ رَأَيْتُ مَا رَأَيْت مِنْ جَفَائِهِ لِي: لَوْ أَذِنْتَ لِي، فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي، فَمَرّضْتنِي؟

قَالَ: لَا عَلَيْك. قَالَتْ: فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي، وَلَا عِلْمَ لِي بِشَيْءِ مِمّا كَانَ، حَتّى

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>