للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ أَبِيهِ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ، وَفِي هَذَا الْعِلْمُ الْعَظِيمُ وَالْبُرْهَانُ النّيّرُ مِنْ أَعْلَامِ النّبُوّةِ، فَإِنّ الْعَرَبَ كَانَتْ أَشَدّ خَلْقِ اللهِ حَمِيّةً وَتَعَصّبًا، فَبَلَغَ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ وَنُورُ الْيَقِينِ مِنْ قُلُوبِهِمْ إلَى أَنْ يَرْغَبَ الرّجُلُ مِنْهُمْ فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَوَلَدِهِ، تَقَرّبًا إلَى اللهِ، وَتَزَلّفًا إلَى رَسُولِهِ، مَعَ أَنّ الرّسُولَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَبْعَدُ النّاسِ نَسَبًا مِنْهُمْ، وَمَا تَأَخّرَ إسْلَامُ قَوْمِهِ وَبَنِيّ عَمّهِ وَسَبَقَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ الْأَبَاعِدُ إلّا لِحِكْمَةِ عَظِيمَةٍ، إذْ لَوْ بَادَرَ أَهْلُهُ وَأَقْرَبُوهُ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، لَقِيلَ: قَوْمٌ أَرَادُوا الْفَخْرَ بِرَجُلِ مِنْهُمْ، وَتَعَصّبُوا لَهُ، فَلَمّا بَادَرَ إلَيْهِ الْأَبَاعِدُ، وَقَاتَلُوا عَلَى حُبّهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، عُلِمَ أَنّ ذلك عن يصيرة صَادِقَةٍ وَيَقِينٍ قَدْ تَغَلْغَلَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَرَهْبَةٍ مِنْ اللهِ أَزَالَتْ صِفَةً، قَدْ كَانَتْ سَدِكَتْ «١» فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيّةِ لَا يَسْتَطِيعُ إزَالَتُهَا إلّا الّذِي فَطَرَ الْفِطْرَةَ الْأُولَى، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَكَانَ مِنْ كُتّابِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ اسْمُهُ حُبَابٌ، وَبِهِ كَانَ يُكَنّى أَبُوهُ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ، مَاتَ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مُسْنَدًا أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرّ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ وَلّى، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ عَنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، فَسَمِعَهَا ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، فَاسْتَأْذَنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِ أَبِيهِ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِرّ أَبَاك وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بلغته مقالة


(١) لزمت.

<<  <  ج: ص:  >  >>