للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ سَبَب لعنتهم - كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ} ، فَأخْبر تَعَالَى أَنه لعن الْأمة كلهَا لتركهم التناهي عَن الْمُنكر.

نعم إِن هَذَا فرض كِفَايَة، إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ، وَلَكِن لَا يَكْفِي فِي كل قطر وَاحِد، كَمَا قَالَ بعض الْفُقَهَاء، بل لَا بُد أَن تقوم بِهِ أمة من النَّاس لتَكون لَهُم قُوَّة، ولنهيهم وَأمرهمْ تَأْثِير، وَذهب بعض المأولين مذهبا آخر فَقَالَ: إِن هَذَا الْوَعيد مَخْصُوص بالكافرين، فَترك الْمُؤمن فَرِيضَة من الْفَرَائِض كالأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، لَا يسْتَحق بِهِ وَعِيد الْكَافرين فليحقه بالكفار، وَهَذَا كَلَام قد ألفته الأسماع، وَأخذ بِالتَّسْلِيمِ وَاسْتعْمل فِي الإفحام والإقناع، فَإِن الَّذِي يسمعهُ على علاته يرى نَفسه ملزماً برمي تاركي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والدعوة إِلَى الْخَيْر وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بالْكفْر، وَذَلِكَ مُخَالف للقواعد الَّتِي وضعوها للعقائد، فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَقُول ذَلِك، وَلكنه إِذا عرض على الله فِي الْآخِرَة. وعَلى كِتَابه فِي الدُّنْيَا يظْهر أَنه لَا قيمَة لَهُ، وَإِذا بحثت فِيهِ يظْهر لَك أَن الَّذِي يرى حرمات الله تنتهك أَمَام عَيْنَيْهِ، وَدين الله يداس جهاراً بَين يَدَيْهِ، وَيرى الْبدع تمحو السّنَن، والضلال يغشى الْهدى، وَلَا ينبض لَهُ عرق، وَلَا ينفعل لَهُ وجدان وَلَا ينْدَفع لنصرته بيد وَلَا بِلِسَان، هُوَ هَذَا الَّذِي إِذا قيل لَهُ: إِن فلَانا يُرِيد أَن يصادرك فِي شَيْء من رزقك كالجراية مثلا - أَو يحاول أَن يتَقَدَّم عَلَيْك عِنْد الْأُمَرَاء والحكام، تجيش فِي صَدره المراجل ويضطرب باله، ويتألم قلبه، وَرُبمَا تجافى جنبه عَن مضجعه، وهجر الرقاد عَيْنَيْهِ، ثمَّ إِنَّه يجد ويجتهد وَيعْمل الْفِكر فِي استنباط الْحِيَل وإحكام التَّدْبِير، لمدافعة ذَلِك الْخصم أَو الْإِيقَاع بِهِ.

فَهَل يكون لدين الله تَعَالَى فِي قلب مثل هَذَا قيمَة، وَهل يصدق أَن الْإِيمَان تمكن من قلبه؟ والبرهان عَلَيْهِ قد حكم عقله؟ والإذعان إِلَيْهِ قد ثلج صَدره؟ يسهل على من نظر فِي بعض كتب العقائد الَّتِي بنيت على أساس الجدل أَن يُجَادِل

<<  <   >  >>