للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفسه ويغشيها بِمَا يسلبها بِهِ من الْأَمَانِي الَّتِي يسميها إِيمَانًا، وَلكنه لَو حَاسَبَهَا فناقشها الْحساب، وَرجع إِلَى عقله ووجدانه، لعلم أَنه اتخذ إلهه هَوَاهُ، وَأَنه يعبد شَهْوَته من دون الله وَأَن صِفَات الْمُؤمنِينَ الَّتِي سردها الْكتاب سرداً وأحصاها عدا وأظهرها بذل المَال وَالنَّفس فِي سَبِيل الله وَنشر الدعْوَة وتأييد الْحق - كلهَا بريئة مِنْهُ، وَأَن صِفَات الْمُنَافِقين الَّذين يَقُولُونَ بألسنتهم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم كلهَا راسخة فِيهِ فليحاسب أمره نَفسه قبل أَن يُحَاسب، وليتب إِلَى الله قبل حُلُول الْأَجَل لَعَلَّه يَتُوب عَلَيْهِ، وَهُوَ التواب الرَّحِيم أهـ.

[فصل]

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذا أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ واشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا فبئس مَا يشْتَرونَ} وَهَذِه الْآيَة تدل أَيْضا على وجوب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر؛ والدعوة إِلَى الله، وَتَحْرِيم الكتمان، قَالَ الإِمَام الْحَافِظ بن كثير بعد كَلَام: وَفِي هَذَا تحذير للْعُلَمَاء أَن يسلكوا مسلكهم - يَعْنِي أهل الْكتاب - فَيُصِيب مَا أَصَابَهُم ويسلك بهم مسلكهم، فعلى الْعلمَاء أَن يبذلوا مَا بِأَيْدِيهِم من الْعلم النافع الدَّال على الْعَمَل الصَّالح، وَلَا يكتموا مِنْهُ شَيْئا، فقد ورد فِي الحَدِيث الْمَرْوِيّ من طرق مُتعَدِّدَة عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " من سُئِلَ عَن علم فكتمه ألْجم يَوْم الْقِيَامَة بلجام من نَار " أهـ.

وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره: قَالَ قَتَادَة: هَذَا مِيثَاق أَخذه الله تَعَالَى على أهل الْعلم، فَمن علم شَيْئا فليعلمه، وَإِيَّاكُم وكتمان الْعلم فَإِنَّهُ مهلكه، قَالَ: وَقَالَ الْحسن بن عمَارَة: أتيت الزُّهْرِيّ بعد أَن ترك الحَدِيث فألقيته على بَابه فَقلت: إِن رَأَيْت أَن تُحَدِّثنِي؟ فَقَالَ: أما علمت أَنِّي تركت الحَدِيث؟ فَقلت: إِمَّا أَن حَدثنِي وَإِمَّا أَن أحَدثك، فَقَالَ: حَدثنِي، فساق إِلَى عَليّ ابْن أبي طَالب أَنه قَالَ:

<<  <   >  >>