للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ولو أني أطاوعُ كنتُ فيهم ... وما سيرتُ أتبع السحابا)

وقال الحويدرة:

(وتقيمُ في دار الحفاظ بيوتنا ... زمناً ويظعنُ غيرنا للأمرعِ)

والأمرع جمع لا واحد له من لفظه، وكانوا يسمون منزلهم دار الحفاظ لأنهم كانوا يقيمون فيه لقرى الأضياف وإعطاء الفقير وصلة المسكين وابن السبيل. وقال أبو تمام:

(كم منزل في الأرضِ يألفهُ الفتى ... وحنينهُ أبداً لأوّل منزلِ)

وقد قالت الهند: حرمة بلدك عليك مثل حرمة أبويك لأن غذاءك منهما وغذاءهما منك. وقال آخر: أرض الرجل ظئره وداره مهده. وقال آخر: الحنين إلى الوطن من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية والرعاية من الرحمة والرحمة من كرم الفطرة وكرم الفطرة من طهارة الرشد وطهارة الرشد من كرم المحتد قال الشاعر:

(لقربُ الدَّار في الاقتار خيرٌ ... من العيش المُوسّع في اغترابِ)

وقال جالينوس: يتروح العليل بنسيم أهله كما تتقوت الحبة ببل المطر إذا أصاب الأرض. وقال أفلاطن: غذاء الطبيعة من أنجع أدويتها. وقال يدواي كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تتطلع إلى هوائها وتنزع إلى غذائها. وقلنا: ليس الإنسان أقنع بشئ منه بوطنه لأنه يتبرم بكل شئ ردئ ويتذمم من كل شئ كريه إلا من وطنه وإن كان ردئ التربة كريه الغذاء ولولا حب الناس للأوطان لخرب أخابث الأرض والبلدان، قال الشاعر:

(ألا ليت شعري هل تحننَّ ناقتي ... بصحراء من نجران ذات ثرى جعدِ)

(وهل تنفضنَّ الريحُ أفنانَ لمتي ... على لاحقِ الأطلين مطمر ورد)

(وهل أردن الدهر حسمي مزاحم ... وقد ضَربْتهُ نفحةٌ من صبا نجد)

وذكر بن الرومي العلة التي يحب الوطن لأجلها وليس له في ذلك امام إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>