للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببَها، فقال القاضي: لا يلْزمُ (١٦) قبولُ خَبَرِه؛ لاحْتمالِ اعتقادِه نجاسةَ [الماءِ بسببٍ لا يعتقدُه المُخْبَرُ، كالحنفىِّ يرَى نجاسةَ الماءِ الكثير، والشافعىّ يرى نجاسةَ] (١٧) الماء اليَسِير بما لا نَفْسَ له سائلةٌ، والمُوَسْوَسِ الذي يعتقِدُ نجاستَه بما لا يُنَجِّسُه. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَ قبولُ خَبرهِ، إذا انْتَفَتْ هذه الاحْتمالاتُ في حَقِّه.

فصل: فإن أخْبره أن كلبًا وَلَغ في هذا الإِناء، لَزِمَ قبولُ خَبَرهِ، سواء كان بَصِيرًا أو ضَرِيرًا؛ لأن للضَّرِيرِ طريقًا إلى العِلْمِ بذلك بالْخَبَرِ والحِسِّ.

وإن أخبرَه أن كلبًا وَلَغ في هذا الإِناءِ ولم يَلِغْ في هذا. وقال آخرُ: لم يَلِغْ في الأوَّلِ، وإنما ولغَ في الثاني. وجَب اجْتنابُهما، فيَقْبَلُ قولَ كلِّ واحدٍ منهما في الإِثْباتِ دون النَّفْى؛ لأنه يجوزُ أن يَعْلَمَ كلُّ واحدٍ منهما ما خَفِىَ علَى الآخَرِ، إلَّا أن يُعَيِّنا وَقْتًا مُعَيَّنًا، وكلبًا واحدًا، يَضِيقُ الوقتُ عن شُرْبِه منهما، فيتعارَضُ قَوْلاهما، ويَسْقُطان، ويُباحُ اسْتعمالُ كلِّ واحدٍ منهما. فإن قال أحدُهما: شَرِبَ مِن هذا الإِناء. وقال الآخَرُ: نزلَ ولم يشْرَبْ. قُدِّمَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ، إلَّا أن يكونَ لم يتحَقَّقْ شُرْبه، مثل الضَّرِيرِ الذي يُخْبِرُ عن حِسِّه، فُيقَدَّمُ قولُ البَصِيرِ؛ لأنه أعْلَمُ.

فصل: إذا سقَط علَى إنسانٍ مِن طريقٍ ماءٌ، لم يَلْزَمْه السُّؤالُ عنه؛ لأن الأصْلَ طَهارتُه، قال صالح: سألتُ أبى عن الرجلِ يَمُرُّ بالموضِعِ، فيَقْطُر عليه قَطْرةٌ أو قَطْرتان؟ فقال: إن كان مَخْرَجًا - يعني خَلاءً - فاغْسِلْه، وإن لم يكنْ مَخْرَجًا فلا يُسْألُ عنه؛ فإنَّ عمر، رَضِىَ اللَّه عنه، مَرَّ هو وعمرو بن العاص علَى حَوْضٍ، فقال عمرو: يا صاحبَ الْحَوْضِ، أتَرِدُ علَى حَوْضِكَ السِّباعُ؟ فقال عمر: يا صاحبَ الْحَوْضِ، لا تُخْبِرْنا، فإنَّا نَرِدُ عليها، وتَرِدُ علينا. روَاه مالك، في "الموطَّأ" (١٨).


(١٦) في م: "يلزمه".
(١٧) سقط من: الأصل.
(١٨) في باب الطهور للوضوء، من كتاب الطهارة. الموطأ ١/ ٢٣، ٢٤، ورواه الدارقطني، في: باب الماء المتغير، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني ١/ ٣٢. وتقدم بعضه في صفحة ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>