للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم: إنه إنما نَجُسَ لاتِّصالِ (١٣) الدِّماءِ والرُّطوباتِ به، غيرُ صحيحٍ؛ لأنه لو كان نَجِسًا لذلك لم يَنْجُسْ ظاهرُ الجِلْدِ، ولا ما ذَكَّاه المَجُوسِىُّ والوَثَنِىُّ، ولا ما قُدَّ نِصْفَيْن، ولا مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ؛ لِعَدَمِ عِلَّةِ التَّنْجيس، ولَوجَبَ الحُكْمُ بنجاسةِ الصَّيْدِ الذي لم تَنْسَفِحْ دماؤهُ ورُطوباتُه. ثم كيف يَصِحُّ هذا عندَ الشافعيِّ، وهو يحكُم بنجاسةِ الشَّعَرِ والصُّوفِ والعَظْمِ؟ وأبو حنيفة يُطَهِّرُ جِلْدَ الكلبِ، وهو نَجِسٌ في الحياةِ.

فصل: هل يجوز الانتفاعُ به في اليابِسَات؟

فيه روَايتان: إحداهما: لا يحوز؛ لقولِه: "لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَىْءٍ"، وقولِه: "لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ".

والثانية: يجوزُ الانتفاعُ به؛ لِقَوْلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: " [أَلا أَخَذُوا إِهَابَها فَانْتَفَعُوا بِه"] (١٤). وفى لفظٍ: "أَلا أَخَذُوا إِهَابَها فَدَبَغُوهُ فانْتَفَعُوا بِهِ"، ولأنَّ الصحابةَ، رَضِىَ اللَّه عنهم، لمَّا فَتَحُوا فارسَ، انتفعُوا بسُروجِهم وأسْلحَتِهم، وذبائحُهم مَيْتَةٌ، ولأنه انتفاعٌ مِن غيرِ ضَرَرٍ، أشْبَهَ الاصْطيادَ بالكلبِ، ورُكوبَ البغلِ والحمارِ.

فصل: فأمَّا جلودُ السِّباعِ، فقال القاضي: لا يجوزُ الانتفاعُ بها قبلَ الدَّبْغِ، ولا بَعْدَه. وبذلك قال الأوْزَاعِىُّ، ويزيد بن هارون (١٥)، وابن المُبارك، وإسحاق، وأبو ثَوْرٍ.

ورُوِىَ عن عمرَ وعلىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنهما، كَراهية الصلاةِ في جُلودِ الثَّعالبِ، وكَرِهَه سعيد بن جُبَيْر، والحَكَمُ, (١٦) ومَكْحولٌ، وإسحاقُ.


(١٣) في م: "باتصال".
(١٤) سقط من: الأصل، أ. وتقدم تخريج الحديث في صفحة ٩٠.
(١٥) أبو خالد يزيد بن هارون الواسطى الحافظ، توفى سنة ست ومائتين. العبر ١/ ٣٥٠.
(١٦) أبو مطيع الحكم بن عبد اللَّه البلخى الفقيه، صاحب أبى حنيفة، المتوفى سنه تسع وتسعين ومائة. الجواهر المضية، برقم ١٩٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>