للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ولا يَحِلُّ أكْلُه بعد الدَّبْغِ، في قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلم، وحُكِىَ عن ابن حامدٍ: أنه يَحِلُّ. وهو وَجْهٌ لأصْحابِ الشافعىِّ؛ لقوله: "دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ"، ولأنه معنىً يُفِيد الطهارةَ في الجِلْدِ، فأباحَ الأكلَ كالذَّبْحِ.

ولنا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، والجِلْدُ منها، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا". مُتَّفَقٌ عليه (٢٧)، ولأنه جزءٌ من الْمَيْتَةِ، فُحرِّم أكلهُ كسائرِ أجزائها، ولا يلْزَمُ من الطهارةِ إباحةُ الأكلِ، بدليلِ الخَبائثِ مما لا ينْجُسُ بالموتِ، ثم لا يُسْمَعُ قِياسُهم في تَرْكِ كتابِ اللَّه وسُنَّةِ رسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-

فصل: ويجوز بَيْعُه، وإجارتُه، والانتفاعُ به في كلِّ ما يُمْكِنُ الانتفاعُ به فيه (٢٨)، سِوَى الأكلِ؛ لأنه صار بَمْنزِلةِ المُذَكَّى في غيرِ الأكلِ. ولا يجوز بَيْعُه قبلَ دَبْغِه؛ لأنه نَجِسٌ، مُتَّفَقٌ علَى نجاسةِ عَيْنهِ، فأشْبَهَ الخنزيرَ.

فصل: ويفْتَقِرُ ما يُدْبَغُ به إلى أن يكونَ مُنَشِّفًا للرُّطوبةِ، مُنَقِّيًا للخَبَثِ، كالشَّبِّ (٢٩) والقَرَظِ، قال ابنُ عَقِيلٍ: ويُشْترَطُ كَوْنُه طاهِرًا، فإن كان نَجِسًا لم يُطَهِّرِ الجلدَ؛ لأنها طهارةٌ مِن نجاسةٍ، فلم تحْصُلْ بنَجِسٍ، كالاسْتِجْمار والغُسْلِ.

وهل يطْهُرُ الجلدُ بُمجَرَّدِ الدَّبْغِ قبلَ غَسْلِه بالماء؟ فيه وجهان:

أحدهما، لا تحصُل؛ لقَوْلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في جِلْدِ الشاةِ الميْتةِ: "يُطَهِّرُهَا الماءُ وَاْلقَرَظُ" (٣٠). روَاه أبو داود (٣١)، ولأن ما يُدْبَغُ به نَجُسَ بُملاقاةِ الجلدِ، فإذا انْدَبَغَ الجلدُ بَقِيَت الآلةُ نَجِسةً، فتَبْقَى نجاسةُ الجِلدِ لمُلاقاتِها له، فلا يزولُ إلَّا بالغَسْلِ.


(٢٧) انظر ما تقدم في صفحة ٩٠.
(٢٨) سقط من: الأصل.
(٢٩) الشب: من الجواهر التي أنبتها اللَّه تعالى في الأرض، يدبغ به، يشبه الزاج.
(٣٠) القرظ: حب يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه، يدبغ به.
(٣١) في: باب في أهب الميتة، من كتاب اللباس. سنن أبى داود ٢/ ٣٨٧. كما رواه النسائي، في: باب ما يدبغ به من جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى ٧/ ١٥٤. والإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>