للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسُؤالهم، والرُّجوعِ إلى أقْوالِهم، وجعل علامةَ زَيْغِهِم وضلالهم ذهَابَ عُلَمَائِهم، واتِّخاذَ الرُّءُوسِ مِن جُهَّالِهم، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنَ النَّاسِ وَلكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا (٦) ".

وصلَّى اللهُ علَى خاتَمِ الأنبياء، وسيِّدِ الأصْفياء، وإمامِ العلَماء، وأكرمِ مَن مَشَى تَحت أدِيمِ السماء، محمّدٍّ نبىِّ الرحمة، الدَّاعِى إلى سبيلِ رَبِّه بالحكمة، والكاشفِ برسالتِه جَلابِيبَ الغُمَّة، وخيرِ نَبىٍّ بُعِثَ إلى خيرِ أُمَّة، أرسلَه اللهُ بَشِيرًا ونَذِيرًا، {[وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ] (٧) وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (٨)، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّم تسليما كثيرا.

أما بعد: فإنَّ اللَّه تعالى برحمتِه وطَوْلِه، وقُوَّتِه وَحَوْلِه، ضَمِن بقاءَ طائفةٍ مِن هذه الأُمَّة على الحقِّ لا يضُرُّهم مَن خَذَلهم حتى يأتِىَ أمرُ اللَّه وهم علَى ذلك، وجعل السببَ في بقائِهم بقاءَ عُلَمائهم، واقْتداءَهم بأئمَّتِهم وفُقَهائهم، وجعل هذه الأُمَّةَ مع علمائِها (٩)، كالأُمَم الخالية مع أنبيائها، وأظهر في كلِّ طبقةٍ مِن فقهائها أئمةً يُقْتَدَى بها، ويُنْتَهَى إلى رأيِها، وجعل في سَلَفِ هذه الأُمَّةِ أئِمَّةً مِن الأعلام، مَهَّد بهم قَواعدَ الإِسلام، وأوْضَح بهم مُشْكلاتِ الأحكام، اتِّفاقُهم حُجَّةٌ قاطِعة، واخْتلافُهم رحمةٌ واسعة، تَحْيَى القلوبُ بأخْبَارِهم، وتحصلُ السعادةُ باقْتفاءِ آثارِهم، ثم اخْتَصَّ منهم نَفَرًا أعْلَى أَقْدَارَهم (١٠) ومَناصِبَهم، وأبْقَى ذكرَهم


(٦) أخرجه البخاري، في: باب كيف يقبض العلم، من كتاب العلم، وفى: باب ما يذكر من ذم الرأى، من كتاب الاعتصام. صحيح البخاري ١/ ٣٦، ٩/ ١٢٣. ومسلم، في: باب رفع العلم وقبضه، من كتاب العلم. صحيح مسلم ٤/ ٢٠٥٨، ٢٠٥٩. والترمذي، في: باب ما جاء في ذهاب العلم، من أبواب العلم. عارضة الأحوذى ١٠/ ١٢٠. وابن ماجه، في: باب اجتناب الرأى والقياس، من المقدمة. سنن ابن ماجه ١/ ٢٠. والدارمى، في: باب ذهاب العلم، من المقدمة. سنن الدارمي ١/ ٧٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٦٢، ١٩٠, ٢٠٣.
(٧) لم ترد في: الأصل.
(٨) سورة الأحزاب ٤٦.
(٩) في الأصل: "علمائهم".
(١٠) في م: "قدرهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>