للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرو، رضى اللَّه عنهما، أنهما قالا في البحر: التَّيَمُّمُ أعْجَبُ إلينا منه. وقال عبد اللَّه بن عمرو: [هو نارٌ] (٩). وحَكاهُ الْمَاوَرْدِىُّ (١٠) عن سَعِيد بن المُسَيِّب (١١).

والأوَّلُ أوْلَى، لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (١٢)، وماء البحرِ ماءٌ، لا يجوزُ العُدُولُ إلى التَّيَمِّمِ مع وُجودِه، ورُوِىَ عن أبِى هريرة، قال: سألَ رجلٌ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا نَركَبُ البحرَ، ونحمِلُ معنا القليلَ مِن الماء، فإن تَوَضَّأْنا به عَطِشْنَا، أفَنَتَوَضَّأُ بماءِ البحر؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" رواه (١٣) أبو داود، والنَّسائىُّ والتِّرْمِذِىُّ، وقال: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيح. ورُوِىَ عن عمر، رضىَ اللَّه عنه، أنه قال: "مَنْ لم يُطَهِّرْه ماءُ البحرِ فلا طَهَّرَهُ اللهُ"، ولأنَّه ماءٌ باقٍ عَلَى أصلِ خِلْقَتِهِ، فجاز الوضوءُ به كالعَذْبِ.

وقولهم: "هو نَارٌ" إن أُرِيد به أنه نارٌ في الحال فهو خِلافُ الحِسَّ، وإن أُرِيد أنه يَصِيرُ نارًا، لم يمنَعْ ذلك الوضوءَ به في (١٤) حال كَوْنِه ماءً.

ومنها، أنَّ الطهارةَ مِن النجاسةِ لا تحصُل إلَّا بما يحصُلُ به طَهارةُ الحَدَثِ؛ لِدُخولِه في عُمومِ الطهارةِ، وبهذا قال مالك، والشافعيُّ، ومحمد بن الحسن (١٥)، وزُفَرُ (١٦).


(٩) في م: "وهو نادر". خطأ، وسيأتي.
(١٠) أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردى الشافعي، إمام جليل الشأن، وهو صاحب "الحاوي" و"أدب الدنيا والدين" و"الأحكام السلطانية"، توفى سنة خمسين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٥/ ٢٦٧ - ٢٨٥.
(١١) أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومى المدنى الفقيه، أحد الأعلام، توفى سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء، للشيرازي ٥٧، ٥٨، العبر ١/ ١١٠.
(١٢) سورة المائدة ٦.
(١٣) في م: "أخرجه". وسبق.
(١٤) سقط من: م.
(١٥) أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن فرقد الشيبانى، صاحب الإمام أبى حنيفة، وناشر علمه، صاحب المؤلفات الفائقة، توفى سنة سبع وثمانين ومائة. الجواهر المضية ٣/ ١٢٢ - ١٢٧.
(١٦) أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس العنبرى البصري، صاحب الإمام أبى حنيفة، وكان حافظا، ثقة، توفى سنة ثمان وخمسين ومائة. الجواهر المضية ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>