للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَدَمُ (٤٧)، والغالبُ أنَّها تُغيِّرُ الماءَ، فلم يُنْقَلْ عنهم تَيَمُّمٌ مع وُجودِ شيءٍ من تلك الْمِيَاه، ولأنَّه طَهُورٌ خالَطَه طاهِرٌ لم يَسْلُبْه اسْمَ الماء، ولا رِقَّتَه، ولا جَرَيانَه، فأشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بالدّهْنِ.

ووَجْهُ الأولَى: أنه ماءٌ تغيَّر بمُخالَطة ما ليس بطَهُورٍ يُمْكِنُ الاحْتِرازُ منه، فلم يَجُزِ الوُضوءُ به، كماء الباقِلَّا الْمَغْلِىّ، ولأنه زال عن إطْلاقِه، فأشْبَه الْمَغْلِىَّ.

إذا ثبَت هذا فإنَّ أصحابَنا لم يُفَرِّقُوا بين الْمَذْرُورِ في الماءِ ممَّا يُخْلَط بالماء كالزَّعْفَران والعُصْفُر والأُشْنَان ونحوه، وبين الحُبُوب من الباقِلَّا والحِمَّص، والثَّمر كالتَّمْرِ والزَّبِيب والوَرَقِ وأشْباهِ ذلك.

وقال أصحابُ الشافعىِّ: ما كان مَذْرُورًا مُنِع إذا غيَّر الماءَ، وما عَداهُ لا يُمْنَع إلَّا أن يَنْحَلَّ في الماء، وإن غَيَّره مِن غيرِ انْحلالٍ لم يُسْلَبْ طَهُورِيَّتَه؛ لأنَّه تغيّر مُجاورة، أشْبَهَ تَغْيِيرَ الكافُور.

ووافَقَهم أصحابُنا في الخَشَب والعِيدَان، وخالَفُوهم في سائر ما ذكرْنا؛ لأن تَغَيُّرَ الماءِ به إنَّما كان لِانْفِصَالِ أجْزاءَ منه في (٤٨) الماءِ وانْحِلَالِها فيه، فوجَب أن يُمْنَع كما لو طُبِخ فيه، ولأنَّه ماءٌ تغيَّر بمُخالَطة طاهرٍ يُمْكِنُ صَوْنُه عنه، أشْبَهَ ما لو أُغْلِىَ فيه.

الضرب الثالث من المُضاف؛ ما يجوز الوُضوءُ به رِوَايةً واحدة، وهو أربعة أنواع:

أحدها ما أُضِيفَ إلى مَحَلِّهِ ومَقَرِّهِ، كماء النهر والبئر وأَشْباهِهما؛ فهذا لا ينْفَكُّ منه ماءٌ وهى إضافةٌ إلى غيرِ مُخالِط. وهذا لا خلافَ فيه بين أهلِ العلم.

الثانى ما لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، كالطَّحْلُب والخَزِّ وسائرِ ما ينْبُت في الماء، وكذلك وَرَق الشَّجَر الذي يسقُط في الماء، أو تحمله الرِّيحُ فتُلْقِيه فيه، وما تجْذِبُه السُّيولُ من العِيدَان والتِّبْن ونحوه، فتُلْقِيه في الماء، وما هو في قَرارِ الماء كالكِبْرِيت


(٤٧) بفتحتين وبضمتين.
(٤٨) في م: "إلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>