للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الإملاء، وقد أملى حفاظ اللغة من المتقدمين الكثير، فأملى ثعلب مجالس عديدة في مجلد ضخم، وأملى ابنُ دريد مجالس كثيرة رأيت منها مجلدا، وأملى أبو محمد القاسم بن الأنباري وولده أبو بكر ما لا يحصى، وأملى أبو علي القالي خمسة مجلدات، وغيرُهم.

وطريقتهم في الإملاء كطريقة المحدِّثين سواء، يكتب المستملي أول القائمة: ((مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا)) ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بإسناده كلاما عن العرب والفصحاء، فيه غريب يحتاج إلى التفسير ثم يفسره، ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده، ومن الفوائد اللغوية بإسناد وغير إسناد ما يختاره.

وقد كان هذا في الصدر الأول فاشيا كثيرا، ثم ماتت الحفاظ، وانقطع إملاء اللغة عن دهر مديد واستمر إملاء الحديث.

ولما شرعت في إملاء الحديث سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ أبو الفضل بن حجر أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره، فأمليت مجلسا واحدا فلم أجد له حَملة ولا من يرغب فيه فتركته.

وآخر من عَلِمتُه أَمْلى عَلَى طريقة اللغويين أبو القاسم الزجاجي، له أمالٍ كثيرة في مجلد ضخم، وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وثلثمائة، ولم أقف على أمال لأحدٍ بعده.

قال ثعلب في أماليه: حضرت مجلس ابن حبيب فلم يُمْل فقلت: ويحك أَمْلِ، مالك فلم يفعل حتى قمت، وكان حافظا صدوقا في الحق، وكان يعقوب أعلم منه، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه.

قلت: في هذا توقير العالم من أجلُّ منه فلا يُملي بحضرته.

الوظيفة الثانية الإفتاء في اللغة، وليقصد التحري والإبانة والإفادة والوقوفَ عند ما يعلم، وليقل فيما لا يعلم: لا أعلم، وإذا سئل عن غريب وكان مفسرا في القرآن فليقتصر عليه.

قال ثعلب في أماليه: قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهَلع فقلت قد فسره الله تعالى، ولا يكون أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>