للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ ابْن القصاب الصُّوفِي دخلت المارستان فَرَأَيْت فِيهِ فَتى مصاباً فولعت بِهِ وزدت فِي الولع فَأَتْبَعته فصاح وَقَالَ انْظُرُوا إِلَى شُعُور مطرزة وأجساد معطرة قد جعلُوا الولع بضَاعَة والسخف صناعَة فَقلت لَهُ من السخي قَالَ الَّذِي رزق أمثالكم وَأَنْتُم لَا تساوون قوت يَوْم قلت لَهُ من أقل النَّاس شكر فَقَالَ من عوفي من بلية ثمَّ رَآهَا فِي غَيره فَترك الشُّكْر فَانْكَسَرت بذلك وَقلت لَهُ مَا الظّرْف قَالَ خلاف مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بَلغنِي عَن بعض أَصْحَاب الْمبرد أَنه قَالَ انْصَرف من مجْلِس الْمبرد يَوْمًا فجزت بخربة فَإِذا بشيخ قد خرج مِنْهَا وَمَعَهُ حجر فهم أَن يرميني بِهِ فتترست بالمحبرة والدفتر فَقَالَ مرْحَبًا بالشيخ فَقلت وَبِك قَالَ من أَيْن أَقبلت قلت من مجْلِس الْمبرد قَالَ الْبَارِد ثمَّ قَالَ مَا الَّذِي أنْشدكُمْ فَكَانَ من عَادَته أَن يخْتم مَجْلِسه بِبَيْت أَو بَيْتَيْنِ من الشّعْر فَقلت لَهُ أنشدنا

(أعَار الْغَيْث نائله ... إِذا مَا مَاؤُهُ تفذا)

(وَإِن أَسد شكار جبنا ... أعَار فُؤَاده الأسدا)

فَقَالَ أَخطَأ قَائِل هَذَا الشّعْر قلت كَيفَ قَالَ أَلا تعلم أَنه إِذا أعَار الْغَيْث نائله بَقِي بِلَا نائل وَإِذا عَار الْأسد فُؤَاده بَقِي بِلَا فؤاد قلت فَكيف كَانَ يَقُول فانشد

(علم الْغَيْث الندى فَإِذا ... مَا وعَاء علم الْبَأْس الْأسد)

(فَإِذا الْغَيْث مقرّ بالندى ... وَإِذا اللَّيْث مقرّ بِالْجلدِ)

قَالَ فكتبتها وانصرفت ثمَّ مَرَرْت يَوْمًا آخر بذلك الْمَكَان فَإِذا بِهِ قد خرج وَبِيَدِهِ حجر فكاد يرميني فتترست مِنْهُ فَضَحِك وَقَالَ مرْحَبًا بالشيخ

<<  <   >  >>