للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


بقية الاجتماع الثالث لجمعية أم القرى

(المنعقد في مكة المكرمة في ١٨ ذي القعدة سنة ٣١٦)
أجاب (السعيد الإنكليزي) إن المسلمين من حيث مجموعهم أغنياء لا
يعوزهم المال اللازم للتدرج في العلوم حتى للسياحات البحرية والقطبية؛ لأن
فريضة الزكاة على مالكي النصاب والكفارات المالية جاعلة لفقراء الأمة وبعض
الشؤون العمومية نصيبًا غير قليل من مال الأغنياء، إذا عاش المسلمون مسلمين
حقيقة أمنوا الفقر، وعاشوا عيشة الاشتراك العمومي المنتظم التي يتمنى ما هو من
نوعها أغلب العالم المتمدن الإفرنجي الذين لم يهتدوا بعد لطريقة نيلها مع أنه تسعى
وراء ذلك منهم جمعيات وعصبيات مكونة من ملايين باسم (كومون وفنيان
ونيهلست وسوسيالست) كلها تطلب التساوي أو التقارب في الحقوق والحالة
المعاشية، ذلك التساوي والتقارب المقررين في الشريعة الإسلامية دينًا بوسيلة أنواع
الزكاة والكفارات، ولكن تعطيل إيتاء الزكاة وإيتاء الكفارات سبب بعض الفتور
المبحوث فيه، كما سبب إهمال الزكاة فقد الثمرات العظيمة، من معرفة المسلم ميزانية
ثروته سنويًّا فيوفق نفقاته على نسبة ثروته ودخله ولا شك أن الواحد من الأربعين يفي
أن يبذل لأجل هذه الثمرة وحدها، والشريعة الإسلامية هي أول شريعة ساقت الناس
والحكومات لأصول الميزانية المؤسس عليه فن الاقتصاد المالي الأفرادي
والسياسي.
ويخيل إليَّ أن سبب هذا الفتور الذي أخلَّ حتى بالدين هو فقد الاجتماعات
والمفاوضات، وذلك أن المسلمين في القرون الأخيرة قد نسوا بالكلية حكمة تشريع
الجماعة والجمعية وجمعية الحج، وترك خطباؤهم ووعاظهم خوفًا من الأمراء
التعرض للشئون العامة كما أن علماءهم صاروا يسترون جبنهم بجعلهم التحدث في
الأمور العامة والخوض فيها من الفضول والاشتغال بما لا يعني وعدهم إتيان ذلك
في الجوامع من اللغو الذي لا يجوز وربما اعتبروه من الغيبة أو التجسس أو السعي
بالفساد؛ فسرى ذلك إلى أفراد الأمة وصار كل شخص لا يهتم إلا بخويصة نفسه
وحفظ حياته في يومه كأنه خلق أمة وحده وسيموت غدًا وهكذا صار المسلم جاهلاً
أن له حقوقًا على الجامعة الإسلامية والجامعة البشرية وأن لهما عليه مثلها ذاهلاً عن
أنه مدني بالطبع لا يعيش إلا بالاشتراك ناسيًا أو هاجرًا أوامر الكتاب والسنة له
بذلك (مرحى) .
ثم بتوالي القرون والبطون على هذه الحال تأصل في الأمة فقد الإحساس إلى
درجة أنه لو خربت هذه الكعبة - والعياذ بالله تعالى - لما تقطبت الحياة أكثر من
لحظة، ولا أقول لما زاد تلاطم الناس على سبعة أيام كما ورد في الأثر؛ لأن
المراد بأولئك الناس أهل ذاك الزمان.
وإذا دققنا النظر فى حالة الأمم الحية المعاصرة وهى ليس عندها ما عندنا من
الوسائل الشريفة للاجتماع والمفاوضات نجدهم قد احتالوا للاجتماعات ولاسترعاء
السمع وتوجيه النظر بوسائل شتى.
(١) منها تخصيصهم يومًا في الأسبوع للبطالة والتفرغ من الأشغال
الخاصة لتحصل بين الناس الاجتماعات وتنعقد الندوات فيتباثُّون
ويتناجون.
(٢) ومنها تخصيصهم أيامًا يتفرغون فيها للمذاكرة في مهمات الأعمال
لأعاظم رجالهم الماضين تشويقًا للتمثل بهم.
(٣) ومنها إعدادهم في مدنهم ساحات ومنتديات تسهيلاً للاجتماع
والمذاكرات وإلقاء الخطب وإبداء التظاهرات.
(٤) ومنها إيجادهم المنتزهات الزاهية العمومية وإجراء الاحتفالات
الرسمية والمهرجانات بقصد السوق للاجتماعات.
(٥) ومنها إيجادهم محلات التشخيص المعروف (الكوميديا) و (التياترو)
بقصد إراءة العبر واسترعاء السمع للحكم والوقائع، ولو ضمن أنواع من الخلاعة
اتخذت شباكًا لمقاصد الجمع والإسماع ويعتبرون أن نفعها أكبر من ضرر الخلاعة.
(٦) ومنها اعتناؤهم غاية الاعتناء بتعميم معرفة تواريخهم الملية المفصلة
المدمجة بالعلل والأسباب تمكينًا لحب الجنسية.
(٧) ومنها حرصهم على حفظ العاديّات المنبهة وادخار الآثار القديمة
المنوهة واقتناء النفائس المشعرة بالمفاخر.
(٨) ومنها إقامتهم النُّصُب المفكرة بما نصبت له من مهمات الوقائع القديمة.
(٩) ومنها نشرهم في الجرائد اليومية كل الوقائع والمطالعات الفكرية.
(١٠) ومنها بثهم في الأغاني والنشائد الحكم والحماسات إلى غير ذلك من
الوسائل التي تنشئ في القوم نشأة حياة اجتماعية وتولد في الرءوس حمية وحماسة
وفي النفوس سموًّا ونشاطًا.
أما المسلمون فإنهم كما سبق بيانه أهملوا استعمال تلك الوسائل الشريفة
المؤسسة عندهم للشورى والمفاوضات والتناصح والتداعي، أعني بذلك الجماعة
والجمعية وجمعية الحج حتى كأن الشارع لم يقصد منها غير أداء الفريضة فقط
بصورة تعبدية بسيطة، والحال أن حِكمة الشارع أبلغ من ذلك، وعندي أن هذا
أعظم أسباب الفتور (مرحى) .
فأجابه (الإمام الصيني) إن هذا أشبه بالعوارض منه بالأسباب، فهو أليق
بأن يكون دواء للداء ونحن مهتمون ابتداءً بمعرفة سبب الفتور.
ثم قال: إني أرى أن السبب الأكبر للفتور هو تكبر الأمراء وميلهم للعلماء
المتملقين المنافقين الذين يتصاغرون لديهم ويتذللون لهم ويحرفون أحكام الدين
ليوفقوا بينها وبين أهوائهم، فماذا يُرجى من علماء يشترون بدينهم دنياهم ويُقَبِّلُون
يد الأمير ليُقَبّل العامة أيديهم ويحقرون أنفسهم للعظماء ليتعاظموا على ألوف من
الضعفاء، أكبر همهم التحاسد والتباغض والتجادل والتفاضل لا يُحْسِنُون أمرًا من
الأمور حتى الخصومة؛ فتراهم لا يرغمون إلا بتكفير بعضهم بعضًا عند الأمراء
والعامة.
وهذا داء عُياء صعب المداواة جدًّا؛ لأن كِبْر الأمراء يمنعهم من الميل إلى
العلماء العاملين الذين فيهم نوع غلظة لا بد منها ونعمًا هي مزية لولاها لفقد الدين
بالكلية (مرحى) .
فلا شك أن أفضل الجهاد في الله في هذا الزمان الحط من قدر العلماء المنافقين
عند العامة وتحويل وجهتهم لاحترام العلماء العاملين حتى إذا رأى الأمراء انقياد
الناس لهؤلاء أقبلوا عليهم أيضًا رغم أنوفهم وأذعنوا لهم طوعًا أو كرهًا على أنه
يجب على حكماء الأمة المجاهدين في الله أن يعتنوا بالوسائل اللينة لتثقيف عقول
العلماء العاملين؛ لأن العِلم رافع للجهل فقط ولا يفيد عقلاً ولا كياسة فيلزم تعليمهم
وتعريفهم كيف تكون سياسة الدين وهكذا يفعل الحكماء عندنا، معاشر إسلام الصين
ولا تفقد أية بلدة كانت رجالاً حكماء نبلاء يمتازون طبعًا على العامة، لهم نوع من
الولاء حتى على العلماء.
وهؤلاء الذين نسميهم عندنا بالحكماء هم الذين يطلق عليهم في الإسلام اسم
أهل الحل والعقد الذين لا تنعقد (الإمامة) شرعًا إلا ببيعتهم وهم خواص الطبقة
العليا في الإسلام الذي أمر الله عز شأنه نبيه بمشاورتهم في الأمر الذين لهم شرعًا
حق الاحتساب والسيطرة على الإمام والعمال؛ لأنهم رءوساء الأمة ووكلاء العامة
والقائمون في الحكومة الإسلامية مقام مجالس النواب والأشراف في الحكومات
المطلقة كالصين وروسية ومقام شيوخ الأفخاذ في إزاء أمراء العشائر العربية،
أولئك الأمراء الذين ليس لهم من الأمر غير تنفيذ ما يبرمه الشيوخ.
وإذا دققنا النظر في آراء الحكومات الإسلامية من عهد الرسالة إلي الآن نجد
ترقيها وانحطاطها تابعَين القوة أو ضعف احتساب أهل الحل والعقد واشتراكهم في
تدبير شئون الأمة.
وإذا رجعنا البصر إلى التاريخ الإسلامي نجد أن النبي عليه السلام كان أطوع
المخلوقات للشورى امتثالاً لأمر ربه في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: ١٥٩) حتى إنه ترك الخلافة لمجرد رأي الأمة.
ثم كان أول الخلفاء رضي اللهعنه أشبه به حتى إنه أخذ رأي سراة الصحابة فيمن استخلف. ثم إن الخليفة الثاني اتبع أثر الأول وإن استأثر في ترتيب الشورى فيمن يخلفه ثم لما اجتهد الخليفة الثالث في مخالفة رؤساء الصحابة في بعض المهمات
لم يستقم له الأمر وظهرت الفتن كما هو معلوم ثم إن معاوية رحمه الله كان قليل
الاستقلال بالرأي فحسنت أيامه عما كان قبلها. وهكذا كانت دولة الأمويين تحت
سيطرة أهل الحل والعقد لا سيما من سراة بني أمية فانتظمت على عهدهم الأحوال
كما كان كذلك على عهد صدر العباسيين حيث كانوا مذعنين لسيطرة رؤساء بني
هاشم ثم لما استبدوا في الرأي والتدبير فخالفوا أمر الله واتباع طريقة رسول الله
ساءت الحال ففقدوا الملك.
وهكذا عند التدقيق في كل فرع من الدول الإسلامية والحاضرة، بل في
ترجمة كل فرد من الملوك والأمراء، بل في حال كل ذي عائلة أو كل إنسان فرد
نجد الصلاح والفساد دائرين مع سنة الاستشارة أو الاستقلال في الرأي.
فإذا تقرر هذا علمنا أن سبب الفتور العام المبحوث فيه هو استحكام الاستبداد
في الأمراء عُتوًّا وتَكبرًا، وترك أهل الحل والعقد الاحتساب جهلاً وجبانة، وهذا
عند بعض الأقوام المسلمين، وأما الأكثر فقد أمسوا لا علماء هداة ولا سراة أُباة بل
هم فوضى في الدين والدنيا ولا بدع فيمن يكونون على مثل هذه الحال أن لا يرجى
لهم دواء إلا بعناية بعض الحكماء الذين ينتخبون من أية طبقة كانت من الأمة وقد
قضت سنة الله في خلقه أن لا تخلو أمة من الحكماء.
فأجاب (العالم النجدي) إن شئون السياسة في الصين تختلف كثيرًا عنها في
غيرها، وليس في الصين ملوك كثيرة وأمراء جبابرة كما عند غيرهم، فالحكماء
في الصين آمنون من جهة أخرى لم يزل الإسلام في الصين حنيفًا خفيفًا لم يفسده
التفنن والتشديد وعلى ذلك نرى الفتور شاملهم أيضًا، ونحن الآن نبحث عن السبب
العام لهذا الدواء وليس كل السبب أحوال الأمراء والعلماء.
ثم قال: إني أجزم ولا أقول أظن أو إخال أن سبب الفتور الطارئ الملازم
لجماعة هذا الدين هو هذا الدين الحاضر ذاته ولا برهان أعظم من الملازمة وما
جاء الخفاء من شدة الوضوح، فهل بقي من شك بعد هذه الأبحاث التي سِيقت في
جمعيتنا ولا سيما ما بينه المحقق المدني في أن الدين الموجود الآن بالنظر إلى ما
ندين به لا بالنظر إلى ما نقرره وباعتبار ما نفعله لا باعتباره ما نقوله ليس هو
الدين الذي تميزت به أسلافنا متين من السنين على العالمين كلا بل طرأت على
الدين طوارئ تغيير غيرت نظامه.
وذلك أن الخلف تركوا أشياء من أحكامه كإعداد القوة بالعلم والجهاد في الدين
والأمر بالمعروف وإزالة المنكر وإقامة الحدود وإيتاء الزكاة وغير ذلك مما أوضحه
الإخوان الكرام، وزاد المتأخرون بدعًا وتقليدات وخرافات ليست منه كشيوع عبادة
القبور والتسليم لمدعي والتصرف في المقدور.
وهذه الطوارئ من تغييرات أو متروكات أو مزيدات أكثرها يتعلق بأصول
الدين وبعضها بأصل الأصول؛ أعني التوحيد، وكفى بأن يكون ذلك سببًا للفتور
وقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} (الرعد: ١١) - مرحى.
ولقائل أن يقول: إن سلمنا أن الدين تغير عما كان عليه فما تأثير ذلك في
الفتور العام الذي هو من شأن الحياة الدنيا، وها نحن أولاء نجد أكثر الأمم الحية
التي نغبطها، قد طرأ على دينها التغيير والتبديل في الأصول والفروع ولم يؤثر
ذلك فيها الفتور بل زعم كثير من حكماء تلك الأمم أنهم ما أخذوا في الترقي إلا بعد
عزلهم شئون الدين عن شئون الحياة وجعلهم الدين أمرًا يتعلق بالنفس ولا علاقة له
بشئون الحياة الجارية على نواميس الطبيعة.
فالجواب على ذلك أنه كما يطالب كل إنسان بأن يكون صاحب ناموس أي
متبعًا على وجه الاطراد في إخلافه وإعماله قانونًا ما موافقًا ولو في الأصول فقط
لقانون الهيئة الاجتماعية التي هو منها وإلا فيكون لا ناموس له منفورًا منه مضطهدًا
فكذلك كل قوم مكلفون بأن يكون لهم ناموس عام بينهم ملائم لجملة لقوانين الأمم
التي لها معهم علاقات جوارية أو تجارية أو مناسبات سياسية وإلا فيكونون قومًا
متوحشين لا خلاق لهم ولا نظام منفورًا منهم مضطهدين.
وذلك أن الناموس الطبيعي في البشر هو ناموس وحشي لا خير فيه؛ لأن
مبانيه هي تنازع البقاء وحفظ النوع والتزاحم على الأسهل والاعتماد على القوة
وطلب الغايات، وحب الرئاسة وحرص الادخار ومجاراة الظروف وعدم الثبات
على حال إلى غير ذلك وكلها قواعد شر ومجالب ضر لا يلطفها غير ناموس
شريف واحد مودوع في فطرة الإنسان وهو إذعانه الفكري للقوة الغالبة أي معرفته
الله بالاهتمام الفطري الذي هو إلهام النفس رشدها {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس: ٨) .
ولا ريب في أن الفطرة الدينية في الإنسان علاقة عظمى في شئون حياته؛
لأنها أقوى وأفضل وازع يعدل سائر نواميسه المضرة ويخفف مرارة الحياة التي لا
يسلم منها ابن أنثى، وذلك بما يؤمله المؤمن من المجازاة والمكافأة والانتقام منه وله
(مرحى) .
وعند تدقيق النظر في حالة جميع الأديان والنحل تدقيقًا تاريخيًّا توجد كلها
ناشئة عن أصل بسيط سماوي لا ترى فيه عوجًا ولا أمتًا ويوجد أن كل دين كان في
أوله باثًا في أهله النظام والنشاط وراقيًا بهم إلى أوج السعادة في الحياة إلى أن يطرأ
عليه التأويل والتحريف والتفنن والزيادات رجوعًا إلي أصلين اثنين:
(الإشراك بالله. والتشديد في الدين) ؛ فيأخذ في الانحطاط بالأمة ولا يزال نازلاً
بها إلي أن تبلغ حالة أقبح من الحالة الأصلية الهمجية فتنتهي بالانقراض أو الاندماج
في أمة أخرى. أو بتدارك الله تلك الأمة بعناية فيبعث لهم رسولاً يجدد دينهم أو
يخلق فيهم أنبياء أو حكماء يصلحون لهم ما فسد من دينهم كما حصل ذلك في الأمم
الماضية كعاد وثمود وكالسريان وإسرائيل وكنعان وإسماعيل وكما قال الله
تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُون} (التوبة: ١١٥)
وعند التأمل يوجد الشرك والتشديد كأنهما أمران طبيعيان في الإنسان يسعى
وراءهما جهده بسائق النفس وقائد الشيطان؛ لأن النفس تميل إلي عبادة المشهود
الحاضر أكثر من ميلها إلى عبادة المعقول الغائب، ومفطورة على التشديد رغبة في
التميز، والشيطان يسعف النفس بالتسويل والتأويل والتحويل والتضليل إلى أن
يفسد الدين (مرحى) .
ثم إذا دققنا النظر في حالة الإسلامية في القرون الأخيرة نجدها عند أكثر أهل
القبلة قد أصابها بعض ما أصاب غيرها من الأديان قبلها كما أخبرنا الله تعالى
بقصصها في كتابه المبين ووعدنا بوقوعنا فيه سيد المرسلين وأرشدنا إلى طرائق
التخلص منه إن كنا راشدين.
أعني بذلك ما طرأ على الإسلامية من التأويل والتحريف في بعض أصولها
وكثير من فروعها حتى استولى عليها التشديد والتشويش وتطرق إليها الشرك الخفي
والجلي على يمينها وشمالها فأمست إلى التجديد بتبيين الرشد من الغي وعندي أن
هذه الحال وأعظم سبب الفتور المبحوث فيه قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (طه: ١٢٤) (مرحى) .
وأنتم أيها السادة الأفاضل في غناء عن إيضاح ذلك لكم بوجه التفصيل.
قال (الأستاذ الرئيس) : إني أرى أن البحث في أعراض الداء وأسبابه
وجراثيمه وما هو الدواء وكيف يستعمل قد نضج أو كاد، وقد قررنا في اجتماعنا
الأول أننا سنبحث في ما هي الإسلامية وما يتبع ذلك مما أدرجناه في برنامج
المباحث، وإني أرى تقرير أخينا العالم النجدي نِعم المدخل لنقل البحث ولا سيما
إذا تَكرم بتفصيل ما أجمله؛ لأن مسائل منشأ الديانات وسنن الله في مسراها
وأسباب طوارئ التغيير والتحريف عليها كلها مسائل مهمة تقضي تدقيق النظر
واستقصاء التحقيق وتحسن فيها الإطالة والاستيعاب عليه، نرجو من العالم النجدي
أن يتكرم بإعادة ما قرره صورة مفصلة في اجتماعنا إذ قد أذن لنا الوقت
بالانصراف اليوم. اهـ
((يتبع بمقال تالٍ))