للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الهدايا والتقاريظ

(تأسيس النظر)
كتاب وجيز صنفه الفقيه الأصولي أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى
الدبوسي الحنفي في علم الخلاف، وهو أول من صنف في خلاف الأئمة في الفقه.
وعلم الخلاف نافع لمن يريد معرفة مدارك الأئمة ودلائلهم ووجوه الترجيح فيما
شجر بينهم من الاختلاف في الأحكام فهو فرع من علم أصول الفقه، وقد سعى في
طبع هذا الكتاب الشيخ مصطفى القباني الدمشقي كما هو شأنه في السعي بإظهار
كتب الأولين النافعة ونشرها، طبعه على نفقته ونفقة محمد أفندي أمين الخانجي على
أجود الورق الناعم الموجود في مصر، وكنت أود أن يقف على تصحيحه أحد
المشتغلين بالفقه والأصول ولا أعرف كتابًا طبع في علم الخلاف غيره فعسى أن
يقبل أهل العلم على مطالعته.
وقد طبع في آخر الكتاب رسالة (الأصول التي عليه مدار كتب الحنفية)
وهي نحو أربعين أصلاً وضعها الإمام أبو الحسن الكرخي من فقهاء القرن الثالث
ووضع لها الأمثلة والشواهد الفقيه عمر النسفي المتوفى سنة ٥٣٧ ونحن نورد
بعض أمثلتها عبرة للمتفكرين قال: الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها
تُحمل على النسخ أو الترجيح، أو الأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق)
ويا ليته ذكر وجهًا آخر وهو الرجوع عن قول أصحابهم إلى الآية الكريمة ولو عند
عدم ظهور وجه وجيه في التأويل.
ومنها قوله: الأصل أن كل خبر (أي حديث نبوي) يجيء بخلاف قول
أصحابنا فإنه يحمل على النسخ أو على أنه معارض بمثله، ثم صار إلى دليل آخر
أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يحمل على التوفيق، وإنما
يفعل ذلك على حسب قيام الدليل فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه وإن قامت الدلالة
على غيره صرنا إليه. أي أنه لا بد من تصحيح قول فقهائهم والعمل به على كل
حال، ونحن نقول كما يحتمل نسخ الآية أو الحديث يحتمل رجوع ذلك الفقيه عن
قوله، فالمنسوخ قليل جدًّا، ولكن الأقوال المرجوحة التي يرجع عنها العلماء أكثر
من أن تُحْصى يقابل هذا بذاك وتبقى وجوه أخرى للعمل بالآية أو الحديث منها أنهما
أصل الدين، فإن قبل قول الفقيه فإنما يقبل لاستناده إليهما أو أحدهما ولو ظَنًّا فإذا
تعارض الأصل والفرع يُعمل بالأصل، ومنها أن الثقة بنقل الكتاب والسنة أعظم،
ومنها أن خطأهما مُحَال، وكل إمام وفقيه عرضة للخطأ، ومنها أنهما أصح وأفصح
الكلام، ففهمهما أسهل، وبيانهما أعظم والله الهادي وهو أعلم وأحكم.
* * *
(نهضة الأسد)
قصة تاريخية تشرح حوادث الثورة الفرنسية الشهيرة ومقدماتها ونتائجها وهي
من تأليف القصصي الشهير ألسكندر ديماس الكبير وقد عرَّبها صديقنا الفاضل فرح
أفندي أنطوان صاحب مجلة الجامعة النافعة ونشرها تباعًا في ذيل مجلته ثم جمعها
في أربعة أجزاء واسم الثالث منها (وثبة الأسد) والرابع (فريسة الأسد) وهي
أنفع القصص المعرَّبة فيما أظن، لأن مطالعة حوادث الانقلاب في الأمم هي أكبر
العبر، وأولى الناس بالإقبال على قراءة هذه الأخبار مَنْ دبَّت فيهم نسمة الحياة
الاستقلالية واستعدوا لأن يكونوا أمة حية، فعسى أن يرغب شبابنا وشوابنا من
مطالعة القصص الغرامية السخيفة إلى مطالعة مثل هذه القصة التي تفوق مثلها لذة
وتزيد عليها المنفعة.
* * *
(مجلة المجلات العربية)
نهنئ صديقنا الفاضل محمود باشا حسيب صاحب هذه المجلة بما وفق له من
زيادة إتقانها وتكثير فوائدها فقد صدر آخر جزء منها يزيد على ما تقدمه في الفوائد
العلمية والأدبية وكثرة الرسوم الجميلة التي لم تسبقه إليها مجلة عربية، فنسأل الله
أن يزيد مجلته بكماله كمالاً، ويوفق الناس لأن يزيدوا عليها إقبالاً.
* * *
(الحجاج بن يوسف)
قصة تاريخية غرامية تتلو قصصًا نشرت قبلها في التاريخ الإسلامي وسيتلوها
غيرها فيه فهي الحلقة السادسة من السلسلة وفيها خبر حصار مكة على عهد عبد الله
ابن الزبير وفتحها ومقتل ابن الزبير والكلام في أخلاق أهل الحرمين وعاداتهم،
مؤلف هذه القصص صديقنا المؤرخ المنصف جرجي أفندي زيدان صاحب مجلة
الهلال الغراء، وقد اشتهرت هذه القصص بنشرها في الهلال بل زاد اشتهار الهلال
وانتشاره بها لما فيها من اللذة والفائدة وما زلت أمنّي نفسي بمطالعة هذه القصص
من أولها مطالعة تأمل وانتقاد ولما يتح لي ذلك.
وقد رأيت من المسلمين من ينتقد هذا الوضع من وجهين: أحدهما أن من شأن
القصص أن تكون فيها أخبار كاذبة فيشتبه على القارئ الحق بالباطل، وثانيهما
استثقال نسبة العشق والغرام إلى رجال سلفنا الكرام، وقد كان بعض هؤلاء
المنتقدين كتب رأيه في جريدة المؤيد ورد عليه المؤلف بما عرف واشتهر، وقد
تصفحت ورقات من هذه القصة فألفيت أن الحوادث الغرامية لم تسند إلى أحد من
رجال السلف العظام، والأئمة الذين يُجَلُّون عن الاشتغال بالغرام. وأما مسألة
الاشتباه فقد رأينا في مقدمة هذه القصة ما يكشف عن الحقيقة فيها وهو قول المؤلف:
(فالعمدة في رواياتنا على التاريخ وإنما نأتي بحوادث الرواية تشويقًا للمطالعين،
فتبقى الحوادث التاريخية على حالها وندمج من خلالها قصة غرامية تشوق المطالع
إلى استتمام قراءتها، فيصح الاعتماد على ما يجيء في هذه الروايات من حوادث
التاريخ مثل الاعتماد على أي كتاب من كتب التاريخ من حيث الزمان والمكان
والأشخاص إلا ما تقتضيه القصة من التوسع في الوصف مما لا تأثير له على
الحقيقة) اهـ
ولنا الثقة بالمؤلف الفاضل بأنه لا يكتب عن الإسلام والمسلمين إلا ما يعتقده وإن لم يكن مسلمًا؛ لأنه من أبعد خلق الله عن التعصب الديني وأحسنهم إنصافًا فإن فرط منه ما أوجب الانتقاد أو يوجبه فهو عن غير سوء قصد.
ولا شك أن قراءة هذه القصص مفيدة فمن يرى من المنتقدين أن فيها تقصيرًا
فليصنف ما هو خير منها، وإننا لا نتحزب لصديقنا بما لا نعتقد، وإذا أتيح لنا
مطالعة هذه القصص أو بعضها وظهر لنا فيها خطأ فإننا ننبه عليه إن شاء الله
تعالى، وثمن النسخة من هذه القصة عشرة قروش وأجرتها في البريد قرشان
وتطلب من مكتبة الهلال بمصر.
* * *
(مسامرات الشعب)
قصص مختصرة يؤلفها أو يُعَرِّبها بعض المشتغلين بالكتابة والأدب لمكتبة
الشعب ومطبعتها فتطبع وتنشر على نفقة صاحب المكتبة والمطبعة الهمام، ويصدر
في كل شهر قصتين، وجعل ثمن القصة قرشًا أميريًّا وقيمة الاشتراك إلى سنة
عشرين قرشًا. وقد ذكر في مقدمتها أنه يقصد بنشر هذه القصص التهذيب وخدمة
الوطن، وإنما يتحقق هذا إذا جُعلت هذه القصص حكايات عن أخلاق الشعب
وعاداته مع استحسان الحسن واستهجان المستهجن، ولم أر أعلق بهذا القصد من
القصة الرابعة واسمهما (الحال والمآل) فقد أودعها كاتبها أحمد عوض بيانًا في
كيفية عشق الناشئين والناشئات، وما يتبع ذلك من المفاسد والمنكرات، وسنتكلم
عنها في جزء آخر.