للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قصص (روايات) مجلة الهلال

جاءنا من بعض فضلاء القراء ما يأتي بحروفه:
(رأيت في مجلة المنار الصادرة في غرة جمادى الأولى سنة ١٣٢٠ تقريظًا
للرواية الأخيرة من روايات حضرة محرر مجلة الهلال التي عنوانها (الحجاج بن
يوسف) وقد ألمعتم فيه إلى ما انتقد به على المؤلف حينما ظهرت رواية (عذراء
قريش) وقد ظهر لبعض القراء أن حضرتكم لا تنقمون على هذه الروايات لما
قدمتموه من الأعذار عما يشوبها من الأكاذيب التي هي من لوازم وضعها مع أن
منها نسبة العشق إلى مثل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما مع شهرته في التاريخ
بضد ذلك، وتشبه عذراء قريش بالرجال ووقوفها في مجمع الصحابة ترشدهم إلى
حقائق الدين وتوبخهم على ما حصل منهم في بدء الفتنة المشهورة، ولا يخفى
حضرتكم أن مثل مقدمته التي نقلتموها لا يبرئ الكاتب مما يأتي به مخالفًا لحقائق
التاريخ كما هو مبدأ الإسلام في كراهة الكذب على أية حال، وإني متيقن أنكم لو
كنتم اطلعتم على هذه الرواية لما قلتم كلمة واحدة في تقريظها وما كنا نهتم لو جاء
هذا المدح في غير مجلة المنار التي هي المجلة الدينية الموثوق بها فيما تبديه من
الآراء في أحكام الدين، فمعظم القراء يطلبون من حضرتكم الإفصاح عما ترون فيها
لأن المسألة عظيمة؛ إذ أساسها تاريخ الإسلام والصحابة الذين هم الأسوة الحسنة في
أعمالهم وهم نقلة الحديث وهم الثقات فيما يروون، وأنا واثق أن كلمة منكم ليست
ككلمة من غيركم، فنسأل الله لنا ولكم التوفيق إلى الحق والسلام) .
(المنار) قد صرحنا في تقريظ القصة الأخيرة بأننا لم نقرأ القصص التي
ينشئها صاحب الهلال في التاريخ الإسلامي فنحكم لها أو عليها، وإنما ذكرنا أننا
قرأنا في المؤيد نقدًا عليها وعلمنا أن بعض الفضلاء ناقمين من مؤلفها؛ لأنه وصف
بعض رجال السلف الكرام بالعشق الذي لا يليق بمقامه، وقلنا في القصة الأخيرة
إننا رأيناها خالية من هذا العيب، وهذا دليل على إنصاف المؤلف وعمله بما يقتضيه
نقد الناقد برجوعه عن نسبة العشق إلى الصحابة وأئمة السلف رضي الله عنهم.
والحاصل أن ما تنتقد به هذه القصص أمران أحدهما عدم حفظ كرامة السلف
بأن ينسب إليهم ما لا يليق بهم، وقد كان المؤلف وقع في هذا تقليدًا للإفرنج الذين لا
يتحامون مثله، ويظهر أنه رجع عنه إرضاءً لقراء ما يكتب من المسلمين، وثانيهما
اشتباه الحق بالباطل في سرد وقائع التاريخ ممزوجًا بأخبار الغرام الكاذبة ونحن
نرى أن المقدمة التي نقلناها عنه تبرئه من هذا النقد إلا أن تكون غير صادقة، فإذا
كان يقول إن كل ماعدا الحكاية الغرامية من القصة هو من التاريخ المنقول فلا
سبيل إلى تخطيئه إلا ببيان أن بعض ما في تلك القصص وراء الحكاية الغرامية التي
تتخللها غير صحيح أو أن هناك اشتباهًا بين الحكاية والتاريخ، فعلى المنتقد
الشواهدُ والبيناتُ إذا ادعى هذا، وعلينا أن ننشره ونبين رأينا فيه والله يوفقنا جميعًا
لما يحبه ويُرضِيه.