للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أخبار وآراء

(مثال من أمثلة طفولية الأمة إبطال مدرسة فرجللي)
تحمس حسين بك فرجللي واحتمى على نظارة المعارف المصرية منذ أربع
سنين؛ لأنها لم تقبل بعض أولاده في مدارسها وسوَّل له تحمسه أن ينشئ مدرسة
ينسبها إلى نفسه تكون حجة على (وطنيته) وزلفى يتزلف بها إلى أميره وسلطانه
لأنها ضد المحتلين؛ فأوحى إلى الجرائد أن تنوه به فنوهت وساعدناها نحن على
تنويهها؛ لأن إنشاء المدارس الأهلية هو أفضل عمل يعمله الأهلون لأمتهم وبلادهم،
والرياء قنطرة الإخلاص، كما يقول الصوفية، ومما تبجح به وافتخر أن مدرسته
تزيد على مدارس الحكومة بتعليم التركية إثباتًا لجنسيته وبتعليم الدين خدمة للملة،
وقد كان أول دليل على انفراد زاوية الخلف بين القول والعمل أن اللجنة التي عقدها
في داره لانتخاب المعلمين للمدرسة عرض عليها فيمن عرض من المعلمين رجل
اعترفت اللجنة بأنه أقدر المعروضين على تعليم الدين والعربية ولكن فرجللي بك
ومستشاريه من الأحداث الذين يسمون أنفسهم (الشبيبة المصرية الحقة) ويمتازون
بكثرة اللغط بالوطنية المبهمة لم يقبلوا هذا المعلم؛ لأنه ليس مصريًّا، فلم تشفع
لذلك الرجل عند هؤلاء الوطنيين ديانته الإسلامية، ولا جنسيته العثمانية.
مع هذا كنا ندعو أن يثبت هذا الرجل في عمله حبًّا في المحمدة ولكن بلغنا في
هذه الأيام أنه لم يتم على إجازة المدرسة الصيفية الشهر حتى أرسل إلى معلميها
يخبرهم بعزلهم وإبطال المدرسة، واختار هذا الوقت ليحرم الأساتذة من أجورهم
مدة الإجازة.
الأمة في طفولية، وسقوط الطفل ليس بعجيب، وإنما العجيب ثباته فإذا
سقطت مدرسة فرجللي فإن من ذوي المدارس الأهلية من هم أقوى عزيمة منه
ولذلك ثبتت مدارسهم كالمدرسة العثمانية وكمدرسة الماجدي وغيرها، فلا تيأس إذا
سقط قوم ونهض قوم ما دمنا نرى الأمة متحركة لطلب العلم والعمل على أننا نرجو
أن يثوب فرجللي بك لرشده وينثني عن عزمه الأخير والله الموفق وهو نعم
النصير.
* * *
(الوباء والعدوى)
ثبت بالمشاهدة أن في قيء المصاب بالهيضة الوبائية وبرازه مادة سامة حية
تنمو وتزيد في الجوف الذي تدخله، فالعدوى التي يقولها الأطباء هي انتقال هذه
المادة السامة من شخص إلى آخر كما ينتقل السوس والبق والثعابين، إلا أن الفرق
بين جنة الوباء وغيرها أن الأولى لا ترى إلا بالنظارة، فالاحتياط الصحي هو ما
يمنع انتقال جنة الوباء من مريض إلى صحيح والدواء الذين يطهرون به أمتعة
المصاب كالدواء الذي يقتل البق والسوس، فما معنى إنكار هذه العدوى باسم الدين
ممن لا يعرفون دينًا ولا دنيا؟