للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة

(س١) غمغمة المتصوفة: من الشيخ عبد الله عبد الرحمن بالقايات: قال
بعد كلام يعرِّض فيه بعلماء التقليد وعدم الثقة بهم ويثني فيه على المنار ما نصه:
(ما يرى سيدي فيمن نطق بالشهادتين أو بطلاق امرأته أو بأي عقد يحتاج
في اعتباره إلى صراحة اللفظ نطق به كما تصنعه هذه الفرقة (المتصوفة) في
ذكرهم (وأريد غمغمتهم) أهو إسلام صحيح أو طلاق صريح، أو عقد معتبر
شرعًا؟ فإن قلتم بصحته كلية فما هذا الذي ينكره الناس على هذه الطائفة؟ وإن
رأيت غيره فأي شيء هو؟ أَلَغْوٌ من الكلام، لا يثبت به إسلام، ولا يعطي ما يعطيه
اللفظ الصريح من المعاني؟
(ج) الغمغمة هي النطق لا بيان فيه، وأصلها أصوات الثيران عند الذعر
وتقع من الناس اضطرارًا يقال: غمغم الأبطال عند الكفاح في الحرب، وهذا هو
الذي يناسب المعنى الحقيقي، فإذا عغمغم الإنسان مختارًا فإنما يكون لاعبًا وهازلاً
فإذا جاء في هزله بكلمة الشهادة فلا يعتد بها ظاهرًا ولا باطنًا، أما عدم الاعتداد بها
في الباطن فلأن اللعب بأصل الدين سخرية وهزء وهو مزيد في الكفر، فكيف
يحصل به الإيمان؟ وأما عدم الاعتداد بها في الظاهر فلأنها غير ظاهرة وربما لا
يعرف غير المغمغم أنها وقعت في غمغمته؛ ولأن قرينة الهزء والسخرية تصرف
الكلام عن ظاهره، ومثل هذا يقال في الطلاق، لا أن الفقهاء من الحنفية والشافعية
يعتبرون هزل الطلاق جدًّا.
فإذا اعترف بأنه في غمغمته نطق بصيغة الطلاق المعتبرة فربما كان يحكم
القاضي عليه بما تقتضيه تلك الصيغة في مذهبه، وإذا كان المغمغم يعتقد ذلك فهو
يعمل به أيضًا، والسائل يعلم أن العقود التي من شأنها أن يحكم فيها الحاكم تكون
العبرة فيها بظاهر القول وبالعرف، وأما العبادات فالعبرة فيها بما ورد في الكتاب
العزيز والسنة الصحيحة مع الإخلاص في القلب وصحة التوجه إلى الله تعالى.
فالناس ينكرون على المتصوفة المغمغمين في الذكر أنهم اخترعوا لأنفسهم
عبادة لم يأذن بها الله تعالى في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
فيتلو لهم قوله عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ} (الشورى: ٢١) ويصدق عليهم قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا
وَلَعِبًا} (الأعراف: ٥١) وكل مسلم ألحق في إنكار كل عبادة لم ترد في الكتاب
والسنة في ذاتها أو صورتها فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه بأنه أكمل ديننا وأتم علينا
نعمته فكل من يزيد فيه شيئًا فهو مردود عليه؛ لأنه مخالف للآية الشريفة وللحديث
الصحيح (كل من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) .
كل بدعة في الدين فهي ضلالة كما ورد في الحديث، وأما البدع التي منها
حسن ومنها سيئ فهي الاختراعات المتعلقة بأمور المعاش ووسائله ومقاصده وهي
المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من
عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى
يوم القيامة) ولولا ذلك لكان لنا أن نزيد في ركعات الصلاة أو سجداتها والله أعلم.
***
(س٢) خرافة المشاهرة محمد أفندي عباسي السمرة ببولاق: أرجوكم
إفادتي عن (المشاهرة) وهي أن تدخل امرأة تحمل عقدًا من اللؤلؤ على إحدى
النساء الواضعات فيكون أثر ذلك في الواضعة أنها لا تحبل بعد ذلك أبدًا إلا أن تأتي
بعقد من اللؤلؤ فتضعه في الماء بشكل مخصوص فإنها بعد ذلك تحبل، وقد أثبتت
كثرة التجارب كثيرًا من هذا، فهل ورد عنه شيء في الشرع الشريف؟
(ج) الشرع أباح للناس أو أرشدهم إلى البحث عن منافعهم الدنيوية
ليستفيدوا مما ثبتت لهم فائدته ويجتنبوا ما ثبتت لهم مضرته، فلو فرضنا أن التجارب
التي ذكرها السائل صحيحة محققة لكان حكمها في الشرع أنه يحرم على المرأة أن
تدخل على النساء بعقد من اللؤلؤ؛ لأنها تضرها بمنع الحبَل ثانية لا سيما إذا كان
العقد خفيًّا أو كانت النفساء لا تعرف العلاج أو لا تقدر عليه، وأنه يجوز لمن
منع حبلها بذلك أن تعالج نفسها بوضع عقد من اللؤلؤ في الماء إذا أرادت إزالة
المانع.
أما نحن فلا نعتد بتجارب العامة ولاسيما النساء ولا نرضى للسائل أن
يصدقهن بهذه المزاعم، وكم لهن من أمثالها كزعمهن في الزار، فالعاقل يشك في
مزاعم هؤلاء الجاهلات إذا كانت في ذاتها قريبة في نظر العقل فكيف يصدقهن فيما
يكون بعيدًا من النظر كمسألتنا فإن العقل لا يتصور علاقة لعقد اللؤلؤ بأمر الرحم
والتناسل لا سيما في صورة الانفصال والبعد.