للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(المصريون في أوربا وسوء التقليد)
لما ولع أمراء المصريين وكبراؤهم بالاصطياف في أوربا دب فساد التقليد
في نفوس الطبقات المتوسطة المتصلة بهم فصار الكثيرون منهم يهاجرون إلى
أوربا لتبذير الأموال، واقتباس أسوء الخلال.
قد علمنا أن شيخًا من هؤلاء استدان مبلغًا من المال وسافر به إلى باريس وقد
أتحف بنتًا له في المدرسة السنية برقعة بريدية مصورة (كرت بوستال) أرسلها
إليها في البريد، ولو علم القراء ما هي الصورة التي عليها لكان لهم عبرة في هذا
التقليد الضار ولا يكون التقليد إلا ضارًّا.
تلك الصورة هي صورة أشهر بغي من مومسات باريس وقد صورت على
الرقعة عارية لترغيب الفساق بالإقبال عليها وكتب تحت الصورة وصفها ووصف
مكانها وكتب الشيخ المصري لبنته تحت تلك الكتابة الفرنسوية انظري يا بنتي ما
أجمل هذه الغادة الباريسية! فماذا نرجو من رجال يربون بناتهم هذه التربية وكيف
نقول: إن البنات مَلُوَمات على فساد أخلاقهن وأدبهن؟ ولو أن ناظرة المدرسة السنية
اطلعت على هذه الرقعة مع البنت لطردتها من المدرسة وأَنَّى لها بالاطلاع عليها.
ولا يتوهمن أحد أن هذا الشيخ الجاهل هو من شيوخ العلم أو شيوخ الطريق كلا إنه من المتعممين الذين ليس لهم لقب أفندي أو بيك.
* * *
(ابن الرشيد وابن سعود في نجد)
قد استولى ابن سعود على القسم الجنوبي من بلاد نجد إلى حدود بلاد اليمن
فصار في يده نصف البلاد أو يزيد، والباقي في يد ابن الرشيد، ويود جميع
الأهالي لو خلصت الإمارة لابن سعود لأنه أعلم وأرحم، وابن الرشيد أجهل وأظلم،
والأميران الآن في شبه هدنة؛ لأن ابن الرشيد يتوقع إعانة الدولة العلية وإمدادها
إياه بالرجال والسلاح، وهذا دليل على معرفته بعجزه , وعندنا الحكمة في عدم دخول
الدولة العلية في هذا الأمر بالفعل؛ لأن عاقبة ذلك وخيمة جدًّا، والخطر متوقع
على كلا الحالتين الآتيتين - إذا خلصت الإمارة لابن سعود من غير أن تحاربه
الدولة فإنه يكون مواليًا لها وخاضعًا لأمرها كابن الرشيد أو أشد ولاءً وخضوعًا،
وإذا غلب على أمر البلاد بعد مناوئة من الدولة فيخشى أن يسقط نفوذها من قلب
البلاد العربية، وهذا أحد الخطرين، وأما الخطر الثاني وهو أشدهما فهو ما ينتظر
من احتماء ابن سعود بدولة إنكلترا إذا جردت الدولة عليه جيشًا لا قِبَل له به، ولولا
أن وصل إلى آذاننا شيء من الهمسات الخفية التي يتناجى بها سعاة الفتن في بلاد
العرب لَمَا كان يخطر في بالنا أن يكون شيء من هذا، وقانا الله وبلاد العرب من
عواقب هذه الفتن.
لهذا قلنا: إن من الحكمة أن لا تسيء الدولة العلية أحد الخصمين بالفعل، ولا
شك أن العاقبة الحسنة تكون لها إذا اتقت هذين الخطرين (والعاقبة للمتقين) .