للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


رواية الفتاة الشركسية
أهدانا جناب الشاب النبيه المهذب زكريا نامق أفندي نسخة من (رواية الفتاة
الشركسية) التي ألفها وطبعها حديثًا، وهي قصة وقعت في غضون المحاربة
الأخيرة بين الدولة العلية واليونان، قصها عليه من وقف عليها، فأدخلها هو في
سمط التأليف وزينها بالصور؛ لتكون حوادثها أكثر وقعًا في النفوس.
موضوع الرواية أدبي وطني غرامي، وهي من النزاهة بالمكان المحمود،
وقد تصفحناها فلم نر فيها منتقدًا معنويًّا إلا ما ذكره في فاتحتها من أن أصل
الشراكسة من عرب قريش، وأن (السبب في مبارحتهم بلاد العرب هو أن كبيرهم
كساء بن عمرو بن عبد ود العامري آذى أحد الأنصار في مدة خلافة أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب الذي أراد أن يقتص منه طبقًا للشرع، فلم يقبل كساء وسرى هو
وقومه، فقالت العرب: سرى كساء أو جرى كساء، ومن هذا جاء اسم الشراكسة
أو الجراكسة ولما سكنوا شمال جبال القوقاز حفظوا دينهم وعوائدهم، وفقدوا لغتهم
العربية) . نقل المؤلف أصل هذه الدعوى (كون الجركس من العرب) عن محدثه
بخبر الرواية وتفصيلها عن التاريخ، والذي يعرفه التاريخ الصحيح أن الشركس من
سكان بلاد القافقاس أو القوقاس الأصليين، وكانوا متوحشين لا يدينون بدين، إلا
أنهم اتخذوا لهم شجرة يسمونها (قودوش) وصاروا يعبدونها هم وقبائل الإبازة
المجاورون لهم، ومظهر الألوهية في تلك الشجرة عندهم أنها مكونة من وشائج
أشجار مختلفة، وشجت واشتبكت، فكانت دوحة واحدة، وأنه يأتيها في كل سنة
طائر عظيم يسمى (بوغه) فيهوي إليها ويجثم بجانبها، يبتغي أن يكون قربانًا
لأجلها، ولذلك لا ينفر من مريد اصطياده عندها، وقد جرت عادتهم أن يأخذوه
ويذبحوه ويصبوا على رأسه وعينيه خمرًا، ثم يرفعون عماراتهم (جمع عمارة
بالفتح وهي كل ما يلبس على الرأس) عن رءوسهم ويجأرون بالدعاء قائلين: إلهنا
إن عنايتك بعبيدك ليس لها كم ولا كيف، فلا تحصر ولا تحدد، ثم يسجدون للشجرة
مخبتين متضرعين، وبعد ذلك يقسمون لحم البوغة وجلده بينهم، وينصرفون
شاكرين معبودهم، ويتخذون لإلههم (قودوش) نوابًا من الشجر في الأرجاء
المختلفة، يجعلون للشجرة التي تعجبهم حظيرة تحجب عن العيون ساقها وأطرافها
ويلفون على أعلاها أكداسًا من الحشيش، يربطونها بالحبل ويكورونها كالعمامة،
ويسمون هذا النائب الإلهي (طغالك) ويسجدون له ويطلبون منه سائر المصالح
والحوائج، ولهم في ذلك خرافات غريبة، ولقد أسلم كثير من قبائلهم على أيدي
العرب عندما بلغوا بلادهم وسرى إليهم الإسلام أيضًا من ممازجتهم التتار
واختلاطهم بهم في بلاد القرم، وما زال إسلامهم ممزوجًا بالباطل والخرافات، حتى
جاءهم فرح علي باشا واليًا من قبل المرحوم السلطان عبد الحميد الأول، وفي عهده
عمهم الدين ونزعوا عن التقليدات والشوائب التي كانت تشوب عقيدة المسلم منهم.
أين هذا مما جاء في الرواية من كونهم عربًا مسلمين وليسوا من أهل تلك البلاد
الأصليين، وإذا التفتنا إلى التاريخ الطبيعي نراه أيضًا يفند القول بكونهم من عرب
الحجاز كما هو ظاهر للعيان، ولا لوم على المؤلف في ذكره، فإنه ناقل، لكن كان
عليه أن يشير إلى ضعفه على الأقل، ولقد أطلنا في ذكر عقيدتهم الأقل مناسبة
لما فيه من الغرابة والفائدة. أما المنتقدات اللفظية في الرواية فهي كثرة اللحن
والغلط، فعسى أن يعتني حضرة المؤلف بضبطها وتصحيحها في طبعة ثانية.
وفي الختام نحث الأدباء على مطالعة الرواية ونرجو لها الرواج.
ــ