للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


رسالة الكسائي في لحن العوام

ظفر بها الباحث الألماني (بركلمن) وطبعها في ألمانيا، وأهدى نسخة منها إلى
صديقنا أحمد زكي بك الكاتب الثاني لأسرار مجلس النظار، فرأينا أن ننشرها في
المنار لما فيها من الفائدة للكتاب والطلاب وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين. اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين،
هذا كتاب ما تلحن فيه العوام مما وضعه عليّ بن حمزة الكسائي للرشيد هارون
ولا بد لأهل الفصاحة من معرفته.
تقول: حَرَصت بفلان فتح الراء. قال الله عز وجل: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ
حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: ١٠٣) . ولا تقول: تحرَص بفتح الراء. قال الله
تعالى: {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلّ} (النحل: ٣٧) .
وتقول: ما نقَمت منه إلا عجلته بفتح القاف، لا يقال غيره. قال الله عز وجل:
{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} (البروج: ٨) . وتقول: دعه حتى يَسْكُت
من غضبه بالتاء ولا يقال بالنون يَسْكُن [١] قال الله عز وجل: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن
مُّوسَى الغَضَبُ} (الأعراف: ١٥٤) . وتقول: قد نَفِدَ المالُ والطعامُ بكسر الفاء
قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْر} (الكهف: ١٠٩) .
وتقول: عجزت عن الشيء بفتح الجيم ومنه قوله تعالى ذِكْرُه: {أَعَجَزْتُ أَنْ
أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ} (المائدة: ٣١) وتقول: كسرت ظفُر زيد بضم الفاء
والظاء جميعا [٢] قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} (الأنعام: ١٤٦) . وتقول: قد صرفت فلانًا وقد صرف وجهه بغير ألف. ولا يقال
أصرفت، قال الله عز وجل: {ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} (التوبة:
١٢٧) وتقول: قد أَصْرَفَت الكلبةُ: إذا طَلَبَت المُعاظَلَةَ. وتقول: قد استدّت البِطانة
بكسر الباء [٣] قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} (آل عمران: ١١٨) وتقول لنا على المضيّ إلى فلان [٤] بتشديد الياء قال الله
تعالى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًا وَلاَ يَرْجِعُونَ} (يس: ٦٧) وتقول: شكرت لك
ونصحت لك ولا يقال: شكرتك ونصحتك. وقد نصح فلان لفلان وشكر له. هذا
كلام العرب قال الله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (البقرة: ١٥٢) .
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} (هود: ٣٤) . وتقول عَسَيْتُ أن
أكلّم زيدًا بفتح السين قال الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي
الأَرْض} (محمد: ٢٢) . وتقول: قد أريتُ فلانًا موضع زيد، ولا يقال أوريته
فإنه خطأ. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} (طه: ٥٦) وقال أيضًا:
{رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} (الأعراف: ١٤٣) وتقول: قد أوريت النار إذا
أشعلتها بالواو. وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَتِي تُورُونَ} (الواقعة: ٧١)
وقال عديّ بن زيد في شاهد ذلك:
وطُفَُّ حديثَ السُّوء بالصمت ... إنه متى تور نارًا للعتاب تَأجَّجَا [٥]
ويقال: وقع القوم في صَعُودٍ وهبوط وحَدُورٍ مفتوحات الأوائل وكذلك السَّحُور
سحور الصائم [٦] والفَطور أيضًا على مثال فَعُول قال الله عز وجل:
{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (المدثر: ١٧) وكذلك الرَّكوب. قال الله تعالى: {فَمِنْهَا
رَكُوبُهُم} (يس: ٧٢) . وتقول شُدَّ ثوبَك وشُدَّ عليه بضم الشين قال تعالى:
{فَشُدُّوا الوَثَاقَ} (محمد: ٤) وتقول: ذَرْهُ ودَعْه وذَرِ الأَمْر ولا يقال: وَذرْتُه ولا
ودَعْته قال الله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} (الحجر: ٣) ولا يقال منه فعلته ولكن
تركته. وتقول: جَهدت به كل الجُهد، والجيم الأولى مفتوحة والثانية مضمومة.
قال الله: {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} (التوبة: ٧٩) وتقول: دمَعت عيني
بفتح الميم، وبخصت عينه بالصاد، ولا يقال: بخست بالسين [٧] إنما البخس
والنقص أن تنقص الرجل حقه. وتقول: وَدِدْتُ أني في منزلي بكسر الدال.
الأولى قال بعض الأعراب:
أُحبُّ بُنَيَّتي وودِدت أني ... حفرت لها برابية قَبيرا [٨]