للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أيصومون ولا يصلون وهم مؤمنون؟

إذا كان الله تعالى قد منحنا الدين ليهدينا به إلى سعادة الدارين ومنافع الحياتين
فلا غرو أن يكون لكل عبادة فيه وجهان: أحدهما روحاني ينظر إلى توثيق عقدة
الإيمان وتهذيب الأخلاق، والآخر اجتماعي دنيوي ينظر في إحكام عُرى الارتباط
بين المؤمنين العابدين لتتأكد أخوّتهم. وتُبرم جامعتهم، وتتحقق وحدتهم، وقد
اهتدى علماء الاجتماع في هذه العصور إلى وجوب توحيد عادات الأمة؛ لأن
الوفاق كلما كثر وتعدد ما به يكون اشتدت الأواخي وأمنت التراخي حتى يكون
مجموع الأفراد كالشخص الواحد. فتراهم قد اتفقوا في أنواع العادات فهم يلبسون
زيًّا واحدًا ويأكلون في وقت واحد ويتنزهون في وقت واحد كما يتعلمون على طريقة
واحدة ويتربون على مثال واحد، وبهذا صاروا كأنهم أهلُ بيت واحد يتعاطفون
ويتعاضدون؛ بل صاروا في مجموعهم كالجسد الواحد كما ورد الحديث في وصف
المؤمنين.
الصوم والصلاة عبادتان علَّمَتَا المسلمين الأولين مراقبة الله تعالى والتوجه إليه
وطلب مرضاته فصلحت نفوسهم وسمت هممهم وتهذبت أخلاقهم وعَلَّمَتَاهُمُ الاجتماعَ
في أوقات معينة والأكل في أوقات متفقة فأرشدتهم إلى النظام وطرق الوحدة
فصلحت أحوالهم باطنًا وظاهرًا فكانوا كما قال الله تعالى في خطابهم:
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: ٩٢) أو كالبنيان يشدُّ
بعضه بعضًا كما ورد في الحديث.
مضت سُنّة الأولين من أهل الملل أن الدين يضعف فيهم ويَضْمَحِلّ على هذا
النحو؛ تزول حقيقته المعنوية أولاً ثم تزول بعدها صورته الظاهرة بالتدريج.
الجسد الحيّ بقاؤه ببقاء روحه فإذا أُزْهِقَتِ الروحُ منه أسرع إليه الفساد ثم التلاشي
والاضمحلال. وإنما تَزْهَقُ روح الدين بأمراض تُعُرِّضَ لها بعد فَقْدِ الأطباء
الروحانيين أو إهمال خواص الأمة لهم وتركهم طبَّهم لأرواحهم عند مرضها.
والسبب في رغبة هؤلاء عن مداواة نفوسهم هو أن الأمراض التي تلّم بهم مستلذة؛
بل هي لا تعدو الإفراط في اللذة مع الجهل بالعافية وما وظيفة الدين إلا هداية
الإنسان إلى موقف الاعتدال في استعمال قواه الفكرية والنفسية لتبقى فطرته سليمة
معتدلة.
الصلاة أفضل من الصيام؛ لأن سلطانها على الروح أعلى، وجذبها إياه إلى
عالم القدس أقوى، ولأن تأثيرها في جمع القلوب والتأليف بين الأفراد أبلغ،
وإشعارها نفوس الطبقات المختلفة معنى المساواة أشد.
الصيام يُذكّر النفس بالسلطان الإلهي عندما تُعْرَضُ لها الطيبات في النهار
فترى أنها ممنوعة منها بأمر الله تعالى شأنه وعند الفطر والسَّحُور إذا تذكّرت أن
تغيير مواقيت الأكل إنما كان لتحقيق هذه العبادة التي فرضها البارئ جل جلاله على
عباده ترويضًا لأرواحهم وجسومهم وتعويدًا لهم على حكم قواهم النفسية كيلا تَفْرُطَ
عليهم وتطغى ليستعدوا بذلك كله لتقواه جلّ وعَلا. وأما الصلاة فكل قول من أقوالها
وكل عمل من أعمالها فهو ينفخ هذا الروح الحي فيمن يُقيم الصلاة لا في كل مَن
يُصلي؛ لأن فصلاً بعيدًا بين إقامة الشيء على وجهه وبين الإتيان بصورته
كالفصل بين خَلْق الإنسان وبين رَسم صورته على لوح أو جدار.
إذا قال مقيم الصلاة: الله أكبر، أعطته هذه الكلمة من تجريد التفضيل في
التكبير أن الله تعالى أكبر مِن كل ما يوجد ويُتصور فيطمئن قلبه بالتنزيه وتستولي
عليه هيبة الكبرياء والعظمة، ثم إذا قال: وجهت وجهيَ للذي فطر السموات
والأرض (وهو مستحضرٌ أنه يعبر عن توجه قلبه، إلى حضرة معرفة ربه)
فإن نفسه تسمو عن الالتفات إلى الدنايا، وتسمو عن الاشتغال بالخسائس، حسبك
من الصلاة ما تعطيه هاتان الكلمتان، فكيف بك إذا تدبرت سائر الأذكار والتلاوة
وفقهت أثر ذلك القيام والقعود، والركوع والسجود؟ كأني ببعض المكابرين الذين
يحكمون على الدين وتأثيره بما يجدون في أنفسهم وما يعرفون من حال معاشريهم
والعائشين معهم يقولون: إنْ هذه إلا معاني مخترعة، وأسرار مبتدعة، وخواطر
سانحة، وموازين غير راجحة. وعذرهم في ذلك: الحرمانُ، وعدم تدبر سيرة
الذين سبقونا بالإيمان، ومن ذاق عرف، ومن عرف وصف، ولست واقفًا هنا
موقف المناظر، ولم أقصد بهذا القول إقناع المكابر، وقد سبق للمنار القول في
بيان فوائد الصوم النفسيّة والبدنية والاجتماعية (فليراجع في المجلدين الثاني
والرابع) وكذلك القول في فوائد الصلاة، إنما نريد الآن أنْ نذكُر أمرًا غريبًا في
التصور ولكنه واقع شائع وهو أن كثيرًا من الناس يصومون رمضان ولا يصلون
إلا في رمضان أو لا يصلون مطلقًا.
الصوم من آيات الإيمان فلا يجامع الكفر والجحود، ولكن كيف يكون المرء
مؤمنًا بدين ثم هو يستبيح ترْك أفضل عباداته وآكد فرائضه وأعظم شعائره، وما
هي علة هذا الترك المطلق، والإهمال المستغرق إذا كان الإيمان هو الذي بعث ذلك
الصائم على الصوم، فلماذا لم يَدُعُّهُ دَعًّا إلى الصلاة التي تلي الإيمان في المرتبة؟
أيتصور أن يكون لعلة واحدة معلولات فتوجد ويتخلّف عنها أول تلك المعلولات
وأَوْلاها، ثم يوجد أضعفها وأقصاها، هذا موطن مِن مواطن العجب، ولا بد من
بيان السبب، قد يقال: إذا كان ترك الصلاة لا يجامع الإيمان وترك الصيام لا
يجامع الكفر فلا بد أن يكون مَن يصوم ولا يصلي في مرتبة بين المؤمن الصادق
والكافر المارق، وهو ما كانوا يدعونه المنافق، فهو مرتاب يصوم لاحتمال صحة
الدين، ولا يصلي لفقد اليقين، ويمكن أن يقال: إن صوم مثل هذا ليس من ثمرات
الإيمان، وإنما هو مجاراة للأهل والجيران، فهو عادة لا عبادة. ولو تركه
المعاشرون والأقران، لما بعث عليه القرآن، ولذلك ترى الذين لا يبالون بالعادات
لقوة عزائمهم في العمل بما يعتقدون قد تركوا الصوم فهم يحاربون الدين جهرًا ولا
يحترمون أهله ولا يجاملونهم مِن حيث هم به مستمسكون. ويصحّ أن يقال: إن مِن
تاركي الصلاة المارق، ومنهم المنافق، ومنهم مَن يتركها لمرض الجهل والكسل لا
لمرض الارتياب أو الجحود. ولذلك يصوم هذا صومًا حقيقيًّا يفيده تقوى الله تعالى
في أمور كثيرة فهو يظمأ ويَصْدَى ولا يشرب في خلوته لعلمه بأن الله تعالى يراه
ولا يرضى له أن يكون ضعيف النفس مغلوبًا لشهوة الماء يعصي الله لأجلها. فإن
لم يلاحظ مثل هذا بالتفصيل فلا أقل مِن الإجمال.
أما الجهل الذي يساعد الكسل على ترك الصلاة فهو ذو شعب كثيرة يوجد
بعضها عند أبناء العصر العتيق. يقول أبناء العصر الجديد: إن الله تعالى لا يُعَذِّبُ
الناس إذا قصّروا في عبادته؛ لأن الدين لا يصح أن يكون عقوبة للبشر وإنما
فرضت الصلاة لتعين على تهذيب النفس ونحن قد تهذبت نفوسنا فلا نرضى لأنفسنا
أخلاق هؤلاء المصلين الذين فشا فيهم الكذب والغش والزور والطمع والدناءة. إلخ.
قول اشتبه حقه بباطله ومسلك الجهل فيه دقيق، ولنا أن نقول لهم صدقتم في
قولكم: إن الدين لا يصح أن يكون عقوبة بل هو رحمة من الله تعالى، قال تعالى
لنبيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧) وقال في خطاب
المتكلفين: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} (البقرة: ٢٢٠) ولكنه لم يشأ فله الحمد
والشكر. وقال جل ثناؤه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} (البقرة: ١٨٥) وفي معناه قوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: ٧٨) ولكن العقوبة على ترك الصلاة ليست من الحرج وإنما هي من
الرحمة، فإن الصلاة منفعة وترك المنفعة ضارّ؛ لأنه وقوع في الضد وهي واقعة
في الدنيا ومعقولة فمن الجهل الارتياب فيها، ألا ينظر هؤلاء القائلون في
صنفهم والذين تعلموا وتربوا مثلهم كيف تفتك فيهم الفواحش المنكرات فتذهب بمالهم
وبصحتهم وتُكَبِّلُ بلادهم بالسلاسل والأغلال وتسلمها إلى الأجانب. وإذا
وجد فيهم أفراد ساعدهم الاستعداد الفطري وما يسمونه (الظروف) والوراثة
الطبيعية لسلفهم المصلّين على تهذيب نفوسهم فهل استغنوا بهذا التهذيب الذي
امتازوا به على العدد الكثير مِن أمتهم المريضة عن تكميل نفوسهم بمناجاة الله
تعالى؟ أليس لكل واحد منهم أمراض نفسية لو أقام الصلاة لوجد فيها شفاءها؟ منهم
الهَلُوعُ الذي يَجْزَعُ لكلّ شر يصيبه حتى كأنه امرأة ضعيفة أو طفل صغير، والذي
إذا أصابه الخير أمسكه عن إعانة الضعيف وإغاثة للهيف، بل الذي لا يخرج منه
الحق الثابت عليه إلا نكدًا. وإذا فرضنا أن جهله بحقيقة نفسه وحقيقة الصلاة زيّن
له عدم حاجته إليها ولو لِشُكْرِ اللهِ تعالى وحِفْظِ شعارِ الدين الذي ينتمي إليه فهل
يُزينُ له أيضًا أنّ أهله مِن زوجة وبنينَ وبناتٍ في غنى عن هذه الصلاة؟ وإذا لم
يكونوا في غنًى عنها، فهل يرى أن إقامتهم إيّاها من الأمور السهلة إذا كان هو
لا يصلي، أما صلاة فاسدي الأخلاق الذين يتمثل بهم هؤلاء فهي شبيهة بصيامهم
أي إنها محاكاة وتمثيل لهيأة الصلاة الظاهرة.
وجملة القول في جواب هؤلاء أن اعتذارهم بعدم العقوبة على ترك الصلاة
غير سديد وأنهم لم يفهموا معنى العقوبة على تركها، ولو فقهوا تأثيرها في النهي
عن الفحشاء والمنكر لفقهوا معنى كونها رحمة تزكي النفس فتفلح في الدنيا والآخرة.
وكونِ تركها نقمة تُدَسِّي النفس وتسهل لها سبل الفواحش والمنكرات فتسلكها
فتخسر في الدنيا والآخرة. لو تأمل المتأمل المؤمن بالله معناها وما وصفها به
الكتاب العزيز لفقه ذلك ولو علم أنها الآية الكبرى في انقلاب أحوال مسلمي الصدر
الأول وتبدل أخلاقهم وسجاياهم لَفَقِهَ ذلك، ولو كان عندنا اليوم عدد من مقيمي
الصلاة لاستغنينا عن هذا وذاك في تعليم الجاهل وتنبيه الغافل وإقناع المجادل. هذا
ما يقول لنا أبناء العصر الجديد وما نقول لهم الآن بالإيجاز وإنَّ لنا لعودة نفصِّل
فيها القول تفصيلاً إن شاء الله.
وأما أبناء العصر العتيق فإنّ لهم مِن الضلال في فهم الشفاعات والمكفرات
والانتساب إلى أصحاب الأضرحة والمقامات ما يصرفهم عن إقامة الصلاة، ويغلّ
أيديهم عن أداء الزكاة، فكيف إذا أضافوا إلى ذلك الغرور بالله والتشدق بذكر الرحمة
والمغفرة. وقد كشفنا من قبل جميع هذه الشبهات وأنَّ أكبرَ آية على ضلالهم في
فهمهما سوء تأثير هذا الفهم فيهم حتى انتهى بهَدْمِ أركان الإسلام وتَرْكِ شعائرِهِ فكاد
ينطمسُ مَبناه بعدما جهل معناه؛ ولكن خطباء الفتنة وعلماء السوء هم الذين
يروّجون هذه الأضاليل فهم قادة المقلدين، وعونهم على إضاعة الدنيا والدين، وكأنك
بغربانهم تنعق على أعواد المنابر بهذه المكفرات ومنها المكذوب على الله ورسوله
كقولهم: (إن الله يعتق في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق مِن النار، فإذا كان
آخر ليلة منه أعتق بقدر ما مضى) . وأمثال ذلك، وفي أقوالهم ما تصح روايته ولكن
الفساد في جهل معناه، لذلك نرى أكثر العامة يصومون ولا يصلون ولا يزكّون،
ومنهم الذين لا يحلّون ولا يُحرمون.
الصوم أسهل على النفس مِن المحافظة على الصلاة ومِن إيتاء الزكاة فهو
الرسم الباقي عند أكثر المسلمين فإذا دَرَسَ (والعياذُ بالله تعالى) كان دروسه خطرًا
كبيرًا على الرابطة الإسلامية؛ لهذا نرى أن الذين يجاهرون بالإفطار في رمضان
مِن المسلمين الجغرافيين أشد فتكًا بالإسلام والمسلمين مِن كل مخالف يطعن بعقائدهم
أو يستأثر بسياستهم؛ ومن العجيب أن يوجد فيهم من يتشدّق بكلمة الوطن أو الأمة،
وأعجب العجب أن بعضهم يذكر الإسلام ويُظهر أنه يتمنى عزته ويحاول خدمته.
إذا كان تارك الصلاة إنما يتركها تثاقلاً من مقدماتها وشروطها وتكرارها فأنا
أدلّه على ما يذهب بثقل هذه الأمور كلها ويُسهِّل عليه ما عَسَّره اختلاف الفقهاء،
وإنما يكون ذلك بالرجوع إلى أصل الدين، والعمل بما اتفق عليه جميع المسلمين،
فأما الطهارة فالغرض منها النظافة وهي مما يرغب فيه كل كريم النفس ويتحراه
بحسب استطاعته، وأما كون التنزه عن القليل مِن النجاسة والكثير شرطًا لصحة
الصلاة فما اختلف فيه السلف الصالح والائمة المجتهدون فليتحرَ الإنسانُ التنزه
احتياطًا إلا إذا عسر عليه، ولهذا يحتاط لقول بعض الفقهاء حتى يترك الصلاة
احتياطًا ولا يعمل بقول مَن لا يرى الشرطية ويقيم ركن الدين الركين احتياطًا؛ بل
إن الذين اشترطوا طهارة الثوب والبدن للصلاة قالوا: إن المشقة تجلب التيسير ولا
حرج في الدين فمن صعب عليه الاحتراز من شيء فله رخصة فيه.
وأما الوضوء فهو أسهل شيء إذا روعيت السنة ونبذت الوسوسة فقد ورد أن
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم توضأ ولم يقع شيء من ماء وضوئه على
الأرض فيسهل على العارف بالسنة أن يتوضأ من كوب ماء (كوباية) وهو واقف
أو قاعد لا سيما إذا كان يمسح على ما يستر رجله ولو جَوْربًا مِن قطن أو صوف
فإن ذلك جائز عند كثير من الصحابة والتابعين وعليه الإمام أحمد.
وأما تعدّد الصلاة فخير لصاحب الشغل الكثير من الترك أنْ يأخذ بالحديث
الذي رواه مسلم في صحيحه والشافعي في سننه وغيرهما وهو أن النبي صلّى
بالصحابة الظهر والعصر في وقت واحد والمغرب والعشاء في وقت واحد من غير
مرض ولا سفر. وقد أوَّل أكثر الفقهاء الحديث فحمله الشافعية على وقت المطر
والمالكية على تأخير الأولى والتعجيل بالثانية ولكن في بعض رواياته عن ابن عباس
رضي الله تعالى عنهما تعليل ذلك بقوله (لئلا يحرج أمته) . فدل هذا على أن هذا
الجمع رخصة والعزيمة في أداء الصلاة في وقتها أفضل ولكن الرخصة أولى من
الترك كما هو واقع.
كل واحد مِن هؤلاء المترفين الذين يتثاقلون عن أداء الصلاة يغسل أطرافه عند
القيام من النوم، فإذا جعل ذلك الغسل موافقًا للوضوء الشرعي وصلى ركعتين شكرًا
لله تعالى وحفظًا لأفضل شعار يربطه بأمته وتعليمًا لمن يعيش معهم للدين بالعلم أو
حملاً لهم على التأسي به فأي ثقل عليه؟ ثم إذا فعل مثل ذلك في وقت الظهيرة؛ إذ
يسكن إلى الراحة أو وقت الأصيل إذا شغل وقت الظهيرة، فأي تعب في ذلك وهو
عمل لا يستغرق ربع ساعة؟ وكذلك وقت العشيّ عندما يستريح مِن عمل النهار.
أختم القول بتذكير أبناء العصر الجديد بمسألة هم أعرف بتفصيلها من سواهم.
وهي أن الأمم الحية تحافظ على عاداتها القومية وشعائرها المِلّية وإن كانت تعتقد
أنها وضعية فلا يرضى أهل الرأي منهم بترك شيء من ذلك إلا إذا تبين لهم أنه
ضارٌّ ضررًا كبيرًا لا يشفع فيه حفظ الرابطة العامة بالثبات عليه، ثم إنهم يتروّوْن
في ذلك التروّي الواجب، فما بالكم وأنتم تقلدونهم في الزي والحركة في الطريق
(لا في العمل) وفي الماعون والأثاث لا تقلدونهم في الثبات على شعائركم
والمحافظة على روابط جامعتكم؟ تعلمون أنهم ما تركوا شيئًا إلا بعد أن استبدلوا به
ما رأوه خيرًا منه، فماذا استبدلتم بهذه الشعائر الإسلامية النافعة، والروابط المِلّية
الجامعة، التي تتركونها بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؟ ألا إنكم تستبدلون
الذي هو أدنى بالذي هو خير، تحلون عُرى جامعتكم التي فيها عزكم وشرفكم في
الدنيا وسعادتكم في الآخرة وأنتم لا تشعرون، فتوبوا إلى الله لعلكم تفلحون.