للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة

تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
(س١) مصطفى أفندي رشدي المورلي بالزقازيق: ما هي الحكمة في تعدد
زوجات النبي أكثر مما أباحه القرآن الشريف لسائر المؤمنين وهو التزوج بأربع فما
دونها وتعين الواحدة عند خوف الخروج عن العدل؟
ج: إن الحكمة العامة في الزيادة على الواحدة في سن الكهولة والقيام بأعباء
الرسالة والاشتعال بسياسة البشر ومدافعة المعتدين دون سنِّ الشباب ومساعدة
البالغين على السياسة الرشيدة. فأما السيدة خديجة وهي الزوجة الأولى، فالحكمة
في اختيارها وراء سُنة الفطرة معروفة وليست من موضوع السؤال. وقد عَقَدَ بعد
وفاتها على سودة بنت زَمْعَة وكان توفي زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة
الثانية , والحكمة في اختيارها أنها كانت من المؤمنات الهاجرات لأهليهن خوفَ
الفتنة، ولو عادت إلى أهلها بعد وفاة زوجها - وكان ابن عمها - لعذبوها وفتنوها
فكفلها عليه الصلاة والسلام وكافأها بهذه المنة العظمى، ثم بعد شهر عقد على عائشة
بنت الصديق والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج بحفصة بنت عمر بعد وفاة زوجها
خنيس بن حذافة ببدر وهي إكرام صاحبيه ووزيريه أبي بكر الصديق وعمر -
رضي الله عنهما - وإقرار عينهما بهذا الشرف العظيم.
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة وهي إبطال تلك
البدع الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده
وغير ذلك، وقد نشر في المجلد الثالث من المنار مقالتان في هذه المسألة إحداهما
للأستاذ الإمام فليراجعهما السائل هناك , ويقرب من هذه الحكمة الحكمة في التزوج
بجويرية وهي برة بنت الحارث سيد قومه بني المصطلق فقد كان المسلمون أسروا من
قومها مئتي بيت بالنساء والذراري فأراد عليه الصلاة والسلام أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى فتزوج بسيدتهم فقال الصحابة عليهم الرضوان أصهار رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم فأسلم بنو المصطلق لذلك
أجمعون وصاروا عونًا للمسلمين بعد أن كانوا محاربين لهم وعونًا عليهم وكان لذلك أثر حسن في سائر العرب.
وقَبْل ذلك تزوّج عليه السلام بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبد الله بن
جحش بأُحُد وحكمته في ذلك أن هذه المرأة كانت مِن فُضليات النساء في الجاهلية
حتى كانوا يدعونها أم المساكين لبرها بهم وعنايتها بشأنهم فكافأها عليه التحية
والسلام على فضائلها بعد مصابها بزوجها بذلك فلم يدعها أرملة تقاسي الذلّ الذي
كانت تُجير منه الناس وقد ماتت في حياته وتزوج بعدها أم سلمة واسمها هند وكانت
هي وزوجها - عبد الله أبو سلمة بن أسد ابن عمة الرسول برة بنت عبد المطلب
وأخوه من الرَّضاعة - أول من هاجر إلى الحبشة وكانت تحب زوجها وتجله حتى إن
أبا بكر وعمر خطباها بعد وفاته فلم تَقْبل , ولمَّا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم
(سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك ويخلفك خيرًا) . قالت: ومَنْ يَكُنْ خيرًا من
أبي سلمة؛ فمن هنا يعلم السائل وغيره مقدار مصاب هذه المرأة الفاضلة بزوجها،
وقد رأى عليه الصلاة السلام أنه لا عزاء لها عنه إلا به فخطبها فاعتذرت بأنها
مُسِنّة وأُمّ أيتام فأحسن علية السلام الجواب - وما كان إلا محسنًا - وتزوج بها،
وظاهرٌ أنّ ذلك الزواج ليس لأجل التمتع المباح له وإنما كان لفضلها الذي يعرفه
المتأمل بجودة رأيها يوم الحديبية ولتعزيتها كما تقدم.
وأما زواجه بأمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب فلعلّ حكمتُه لا تخفى
على إنسان عرف سيرتها الشخصية وعرف عداوة قومها في الجاهلية والإسلام لبني
هاشم ورغبة النبي صلى الله عليه وسلم في تأليف قلوبهم.
كانت رملة عند عبيد الله بن جحش، وهاجرت معه إلى الحبشة الهجرة الثانية
فتنصّر هناك وثبتت هي على الإسلام فانظر إلى إسلام امرأة يكافح أبوها بقومه النبيَّ
ويتنصر زوجها وهي معه في هجرة معروف سببها. أمن الحكمة أن تضيع هذه
المؤمنة الموقنة بين فتنتين؟ أم من الحكمة أن يكفلها من تصلح له وهو أصلح لها؟
كذلك تظهر الحكمة في زواج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير
وقد قتل أبوها مع بني قريظة وقتل زوجها يوم خيبر. وكان أخذها دحية الكلبي من
سيد خيبر فقال الصحابة: (يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح
إلا لك) ، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة بأن تكون أسيرة عند من تراه
دونها فاصطفاها وأعتقها وتزوّج بها ووصل سببه ببني إسرائيل وهو الذي كان
يُنْزِلُ النَّاس منازلَهم وآخر أزواجه ميمونة بنت الحارث الهلالية (وكان اسمها برة
فسماها ميمونة) والذي زوجها منه هو عمّه العباس - رضي الله عنه - وكانت
جعلت أمرها إليه بعد وفاة زوجها الثاني أبي رَهم بن عبد العزّى وهي خالة عبد الله
ابن عباس وخالد بن الوليد فلا أدري هل كانت الحكمة في تزوجه بها تشعب قرابتها
في بني هاشم وبني مخزوم أم غير ذلك.
وجملة الحكمة في الجواب أنه صلى الله عليه وسلم راعى المصلحة في اختيار
كل زوج من أزواجه - عليهن الرضوان - في التشريع والتأديب فجذب إليه كبار
القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء دون الرجال، ولو ترك واحدة فقط لما
كانت تغني في الأمة غناء التسع، ولو كان عليه السلام أراد بتعدد الزوجات ما يريده
الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط؛ لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات
المكتهلات كما قال لمن استشاره في التزوج بأرملة: (هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)
هذا ما ظهر لنا في حكمة التعدد، وإن أسرار سيرته صلى الله عليه وسلم أعلى من أن
تحيط بها كلها أفكار مثلنا.
* * *
تَرْكُ الملوك والأمراء فريضة الحج
(س٢) ١-ع بالأزهر: (من المعلوم أن الحج لبيت الله الحرام فريضة
عينية على كل مسلم استطاع إليه سبيلاً وبديهي أن أمراء المسلمين وحكامهم هم
أَقْدَر على الاستطاعة، فلم لا يحجّون، وهل هناك مانع شرعي أو ما يوجب
سقوطَهُ عنهم سيّما وقد مضى نحو الثلاثة قرون ولم نسمع بملك منهم حج أو
اعتمر. أفيدونا الجواب ولكم الأجر والثواب) .
(ج) لا نعلم لأحد منهم عذرًا في تَرْكِ هذا الركن الديني العظيم، وقد كنّا
شددنا النكير في هذه المسألة في الصفحة ٣٨٦ من منار السنة الأولى. وإننا نرى
العقلاء من صاروا يلهجون بهذه المسألة، ويقولون ما بال بعض ملوكنا وأمرائنا
كشاه العجم وخديو مصر يذهبون إلى أوربا المرّة بعد المرّة ولا يذهبون إلى مكّة
المكرمة فإذا كان السلطان عبد الحميد يخاف على نفسه من قومه الترك أو من
الأرمن - دون سواهم من رعيته - إذا خرج حاجًّا؛ لأنه لا يتيسر له من الاحتياط في السفر ما يتيسر له في قصره. وإذا كان سلطان المغرب الأقصى وأمير الأفغان
يخافان على بلادهما من الفتن أو إقامة غيرهما في مكانهما إذا خرجا من بلادهما فما بال غيرهم ممن لا يخشى علي نفسه ولا على بلاده لا يحج. نعم إن الحج
مفروض على التراخي فلا يعترض على شخص بعينه أنه لم يحج لجواز أن يكون لم يؤخر الحج إلا وهو عازم عليه، ولكن يظهر من حال ملوكنا وأمرائنا الحاضرين
أن سيكونون كمَنْ سبقهم من عدّة قرون، ويعتقد المشتغلون بالسياسة أن السلطان عبد الحميد لا يرضيه أن يحج شاه العجم ولا أمير مصر وأنه يمنعهما إذا أرادا ذلك
ما استطاع، وكذلك سلطان مراكش لأنه يخاف أن يعملوا في البلاد المقدسة عملاً سياسيًّا كتحويل الخلافة إلى أنفسهم فهذا كل ما نعلمه في اعتذار المعتذرين والله أعلم
بالسرائر.
أما الفوائد التي تكون من حج الأمراء والسلاطين لأنفسهم وللمسلمين فهي كبيرة جدًّا فإن الاجتماع في تلك البقاع المقدسة هو خير سبيل في تعارفهم وتحالفهم على ما فيه مصلحة الملة والأمة مع بقاء كل منهم في إمارته أو سلطنته. ونعيد ما قلناه في المنار من خمس سنين وهو أنه لو كان لعواهل أوربا وقياصرتهم وملوكهم مثل
هذا المجتمع العظيم لما تركوا الاختلاف إليه.
* * *
اختلاف الشريعة باختلاف الزمان والمكان
(س٣) م. ر. بمدرسة الحقوق بمصر: يقول أرباب الشرائع والقوانين
إنه يجب في تحقيق عدالتها أن تكون موافقة لأخلاق الأمم وعاداتهم وطبائعهم
ودرجة تربيتهم وأقاليمهم وأحوالهم المعاشية والاقتصادية. فإذا كان الأمر كذلك فلم
لم نشاهد سوى قانون واحد لدى الأمم الإسلامية - الشريعة الغراء - مع أنه يوجد
اختلاف عظيم بين تلك البلاد في العادات والأخلاق والأقاليم؟
(ج) إن علماء الحقوق والقوانين الوضعية إنما يضعون قوانينهم لأهل
السياسة وهم إنما يهمهم من رعاياهم جباية الأموال والأمن من الخروج عليهم لا
سيما إذا كانوا من غير جنسهم، وما يساعد على ذلك من منع التعدي فواضع
القانون يحترم عادات كل قوم وإن كانت ضارة كالسُّكر والزنا ويخص أحكامه بحفظ
النظام فيها ومنع التعدي وأما الشريعة الإلهية فإصلاح الأخلاق والعادات فيها مقصود
بذاته، وأساس هذه الشريعة دَرْءُ المفاسد وحفظ المصالح سواء كان ذلك في الأفراد أو
الجماعات وما بينهم من الروابط والصلات، وقد وضع الإسلام على هذا الأساس
أصولاً عامّة للأحكام لا تختلف باختلاف الزمان والمكان كالمساواة في الحقوق وإقامة
القسط ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، وكون درء المفاسد مقدَّمًا على جَلْب
المصالح، وارتكاب أخف الضررين، وجعل البينة على المدّعي، وهي كل ما
يتبين به الحق وجعل الحاكم مستقلاً مجتهدًا يستنبط الأحكام مع فرض الاستشارة عليه
إلى غير ذلك من الأصول العادلة وبَعْدَ هذا كله جعلت العرف محكمًا كوضع الشرع
ليراعي فيما يختلف من أحوال البلاد والعباد التي لا تخل بمقاصد الشريعة والدين
في التهذيب وتقريب الشعوب بعضها من بعض لتكون الأمم كلها أمة واحدة.
لهذا الذي أجملناه لم تلزم الشريعة الإسلامية أتباعها بالتزام جزئيات الأحكام
التي صدرت في عهد التشريع كما هي بدون مراعاة أساس درء المفاسد وحفظ
المصالح، وقد تقدمت الأدلة على هذا في مقالات (محاورات المصلح والمقلد)
فليراجعها السائل في أواخر المجلد الثالث وأوائل الرابع من المنار، ومنها يعلم أن
هذا الوضع من أسباب جعل الشريعة خاتمة الشرائع ونبيها صلى الله عليه وآله وسلم
خاتم النبيين كما بيناه مرارًا بالتوضيح.
* * *
طهارة السبيرتو أو الكحول
(س٤) علي أفندي حسني بكمرك السويس: قد ألجأت حالة الوقت إلى
(السبيرتو) في إزالة ما على الملابس والطرابيش من الوسخ والدهن، وقد تردد
الناس في طهارته ونجاسته للشكِّ في أصله، فإنْ كان نجسًا فهل تطهر الطرابيش
المنظفة به بحرارة النار عند كيها أو بكونه سريع الطيران كما يقال؟
(ج) قد أثبتنا من قبل طهارة الكحول بأنواعه في المنار بالأدلة بل هو
أقوى المطهرات على أنه سريع الطيران ولو لم يعرض الثوب على حرارة النار.
والقول بنجاسته وتنجيسه تشديد مبني على فلسفة غير صحيحة.
[راجع ص ٥٠٠ م ٤] .