للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(سعي في الوفاق الإسلامي الإنكليزي)
عَلِمَ القراء من المقالة الافتتاحية في هذا الجزء، أنّ من الفائدة الكبرى للإسلام
والمسلمين أن يعرف أهل أوربا حقيقة الإسلام؛ لأنهم متى عرفوا حقيقته يعرفون
حقيته وفضله فيكونون نصراء له وتقل مقاومة حكامهم لأهله، ولا ريب أن من
عرف منهم هذه الحقيقة يكون أقدر منا على تعريفهم إيّاها بصورة يقبلونها، كما لا
يرتاب عاقل في أن معرفة الإنكليزية بالإسلام تكون أنفع للمسلمين من معرفة
غيرهم من الأوروبيين؛ لأن للإنكليز سلطانًا على الشعوب الإسلامية ليس لغيرهم
مثله أو ما يقاربه؛ ولأنهم أقرب الأمم الأوروبية إلى أخلاق الإسلام وفضائله
وأرجاهم لفائدة أهله.
بعد التذكير بهذا نقول: إن الحاج عبد الله براون الإنكليزي الذي اهتدى إلى
الإسلام من عدة سنين وثبت عليه ومازج أهله توجهت نفسه إلى القيام بخدمة صالحة
لأهل دينه الذي اهتدى إليه لأبناء جنسه الذين نبت فيهم وذلك بأن ينشئ جريدة
إنكليزية في مصر غرضها الأول التوفيق بين مصلحة الإنكليز ومصلحة المسلمين في
مصر وفي المستعمرات الإنكليزية كالهند وغيرها، وقد سافر إلى الهند بمساعدة أهل
الغيرة والنجدة من المسلمين الذين يعرفون قيمة هذا السعي ليعرض رأيه على كبراء
المسلمين هناك ويستمدهم في الإسعاد عليه، وقد بلغنا أن اللورد كرومر مرتاح إلى
هذا العمل ومساعد عليه ويرجى من كبراء عقلاء المسلمين في الهند أكثر مما
يرجى من عقلائهم في مصر إسعادًا وإرفادًا.
ومما يدلنا على أن هذا العمل يرجى نجاحه أننا رأينا الحوادث قد أعدّت
النفوس من الفريقين له كما علم من الكتابات الكثيرة التي دلت على توجه حكام
الإنكليز وكتابهم إلى مساعدة المسلمين على التربية المِلّية الاستقلالية والتعلم النافع
وقد عرب المؤيد كثيرًا منها فعرفه المصريون كما عرفوا بالاختيار سوء مغبة ما
جرى عليه أحداث السياسة عندهم من اللغط بسبِّ الإنكليز وشتمهم وجعل حسناتهم
سيئات فرجع المصريون إلى رأي إخوانهم مسلمي الهند الذين جربوا قبلهم معاداة
القوة، ثم رجعوا فعرفوا فائدة المسالمة وهو أنه لا أنفع للمسلمين من التوفيق بين
مصالحهم ومصالح الإنكليز والعمل معهم بالصدق والإخلاص، وكل هذا من
مقدمات مجد الإسلام المستقبل {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: ١٢٨) .
***
(ما بعد الاستشارة)
استشرنا قراء المنار في نشر ما جاء في سجل جمعية أم القرى من معايب
السياسة والإدارة في دولتنا - أيدها الله تعالى - فكتب إلينا بعضهم يجزم بوجوب
نشر السجل كله ليعرف محبو الاطِّلاع أسباب الفتور السياسية كما عرفوا غيرها،
ولم يكتب إلينا أحد قط باستحسان عدم النشر لئلا ينفر المحب الجاهل الراغب في
بقائه على جهله من المنار ويظن أنه ينفر عن الدولة العلية التي هي أعظم دولة
إسلامية، ولكننا رأينا أن انتفاع الجمهور بعلم كل ما يقال عن الدولة أولى بأن يُرجّح
على انتفاع إدارة المنار من رضاء محبي الجهل عنها، أما الانتفاع بما نشر فهو أن
مثل هذه الأفكار هو الذي يقنع الترك والعرب والمسلمين بأنه لا شيء أضر عليهم من
حل الرابطة الإسلامية استغناء بالروابط الجنسية، ويظهر أن مولانا السلطان عبد
الحميد - وفقه الله تعالى - مقتنع بهذا المعنى كما اقتنع به من قبل أعظم سلفه
السلطان سليم ياوز ولذلك تراه يعتمد في مهماته على أبناء العرب أكثر من غيرهم،
ولو كان قادرًا على إزالة الجنسية التركية لأزالها فيما يظهر، وقد رأينا
كثيرين من عقلاء الأتراك مقتنعين بهذا الرأي، أعظمهم المشير مختار باشا الغازي،
ولولا أنهم عرفوا مضرة الجنسية وعرفوا أن عقلاء العرب عرفوها لما
اقتنعوا بها، ولا يجوز أن يحملنا ما ورد في سجل الجمعية على بغض الترك
فنزيد في ضرر الجنسية، وإنما يجب أن نسعى في إزالة الجنسية والرجوع إلى
الرابطة الإسلامية وحدها، على أن ما ذكر من بغض الترك واحتقارهم للعرب ليس
عامًّا فيهم، وإنما هو شنشنة مَن أفسدتهم السياسة الفاسدة، وأكثرهم أخلاط في
الأصل من الأجانب والعناصر الغريبة، وقد بلغنا أن الترك العريقين في الأناضول
يتبركون بالعربي إذا رأوه ويجلونه؛ لأنه من بلاد النبي صلى الله عليه وسلم،
وإن كان في شخصه وضيعًا سافلاً، ويكادون يعبدون من ينتسب إلى آل
البيت عليهم السلام.
***
(الجرائد والمجلات والمشتركون)
يكتب إلينا كثيرون طالبين الاشتراك بالمجلة دون الِقيمة المعروفة؛ لأنهم
تلامذة أو لأنهم فقراء،ومنهم من يصف حاجته إلى المنار وضيق ذات يده المانع من
دفع جميع الاشتراك وصفًا غريبًا، ولا شك أن منهم من يستحق أن يسمح له بما
يطلب؛ لأنه صادق في استثقال دفع خمسين قرشًا مرة واحدة؛ لأنه فقير اليد،
ومنهم من يجزم أن يساعد على إطاعة شحه؛ لأنه فقير النفس غنيّ اليد، وقد
يشتبه هذا بذاك فإن لم يشتبه فإن الثاني يجني على الأول.
كنا جعلنا قِيمة الاشتراك لطلاب العلوم ٤٠ قرشًا، فرأينا العلماء وأساتذة
المدارس ونُظّارها لا يدفعون إلا ٤٠ قياسًا على التلامذة والطلاب بجامع الاشتغال
بالعلم، ورأينا القضاة الشرعيين وجميع من تَخرّج من المدارس إلى الوظائف
بأنواعها لا يدفعون إلا ٤٠ عملاً بقاعدة الاستصحاب الفقهية أو جريًا مع حركة
الاستمرار الطبيعية، وبهذا يضيع حق المنار بين القاعدة الفقهية والناموس
الطبيعي بسوء التطبيق، وإذا جعلنا الفقر سببًا للرضا بنصف الاشتراك، وكان
كل إنسان هو المعرف للفقر، وإذا كان أكثر الأغنياء الحَقيقيين مع هذا لا يحفلون
بالعلم والدين، ولا يعضِّدون من يخدمهما فلا شكّ أنه لا يسلم لصاحب الجريدة خمسة
في المئة من المشتركين يدفعون قِيمة الاشتراك كاملةً، وإذا عُلِمَ بعد هذا أن الغني
والفقير، والمُعلم والتلميذ سواء في المطل أو الإرجاء في دفع قِيمة الاشتراك ولو إلى
آخر السَّنة، وأن بعضهم يستحلّ أكل ثمن الجرائد والمجلات، وأن بعض المحصِّلين
للجرائد منهم من يقتدي ببعض المشتركين باستحلال أكل ما يُحصّله كما
وقع لهم مِرارًا، ومنهم من يشارك صاحب الجريدة بالخمس حتى كأن المال غنيمة
والمُحصّل هو السلطان أو بيت المال، فإن العالم بذلك يخجل أن يطلب الاشتراك
بنصف القِيمة في مجلة يبلغ صفحات مجلدها في السنة نحو ألف صفحة ويصرف
صاحبها في تأليفه سنة كاملة.
(المنار) أقل مجلات القطر الشهيرة ثمنًا، فمنها ما ثمنه في السنة جنيه
ومنها ما ثمنه ٨٠، وما ثمنه ٧٠، وما ثمنه ٦٠، وبعض هذه المجلات أصغر من
المنار حجمًا، وربما كان التعب فيها أقل، فإننا ربما نشتغل عدة ساعات في البحث
عن حديث واحد لنعرف جميع مخرجيه وما قيل فيه؛ فلهذا ولمجموع ما تقدم يعذرنا
الذين طلبوا الاشتراك بنصف القيمة على مجاوبتهم، والاعتذار لكل واحد منهم،
وقد كتبنا هذه النبذة ليعلم الجميع، وليعلم المطلعون على المنار أو يسمعوا ممن
يطلع أننا لا نقبل من أحد الاشتراك بأقل من خمسين قرشًا في السنة فيستريحوا
ويُريحونا، ومن نعلم باليقين أنه يَعْسُرُ عليه أن يوفر من نفقته في السنة خمسين
قرشًا يجعلها ثمنًا لمجلة يحب أن يقرأها ويُرجى أن يقنع بها فإننا نرسل إليه المنار
بلا ثمن.