للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الاحتفال بمدرسة الشوربجي في كفر الزيات

احتفل في يوم الجمعة الماضي بافتتاح مدرسة مصطفى بك الشوربجي التي
أنشأها في كفر الزيات احتفالاً حضره الجم الغفير من وجهاء العاصمة في مقدمتهم
مفتي الديار المصرية وبعض العلماء وعدلي باشا يكن محافظ مصر وبعض
الأعيان، ومن أصحاب الجرائد صاحب المؤيد وصاحب الوطن وصاحب الجوائب
المصرية وصاحب الرائد المصري وبعض وجهاء الإسكندرية وطنطا وغيرهما من
مدن القطر. وقد سبق لنا ذكر الاحتفال بتأسيس هذه المدرسة في شعبان الماضي
وقد تم بناؤها في نحو ستة أشهر لما للمنشئ - حيَّاه الله تعالى - من الهمة العالية
والعناية الصحيحة في هذا العمل العظيم.
بُدئ الاحتفال بتلاوة آيات شريفة من سورة الفتح وبإنشاد التلميذات والتلامذة
بعض الأناشيد والخطب في فضل العلم والتعليم، ومنهم حفيد وحفيدة لصاحب
المدرسة فخرًا بجدهما وحَقَّ لهما الفخر به.
ثم بعد ذلك دُعي كاتب هذه السطور إلى الخطابة، فقمت، وقلت - بعد
البسملة والحمدلة والتصلية - ما خلاصته:
كنت حضرت الاحتفال بتأسيس هذه المدرسة ودعيت إلى الخطابة فقلت كلمة
شكر وكلمة ترغيب وقد دعيت الآن لقول كلمة أخرى إلا أني أراني في موقفي هذا
غيري في موقفي الأول، أراني في حاجة إلى الاعتذار وما كنت معتذرًا، أعتذر
عن ذنب التقصير قبل ملابسته فإنني أتوقعه؛ لأنه يتنازعني الآن شعوران ملكا
على نفسي أمرها شعور السرور والابتهاج بسماع الكلام العربي الفصيح من
التلميذات، على حين أننا نرى العجائز لا يصححن قراءة الفاتحة، هذا الشعور قد
أبكاني من حيث كان ينبغي أن يضحكني سرورًا ولكن الجو الذي نعيش فيه مملوء
بالمبكيات ولكن تكسرت النصال على النصال، فجفَّت العيون بعد ما كانت تبكي
وصارت لا تجود بالدمع إلا في موقف السرور. والشعور النافي هو أن في هذا
المجلس روحًا عالية تفيض العلم والعرفان في هذه البلاد، وأنا ممن يستمد منها؛
لذلك الخجل أن أعرض شيئًا من العلم في مجلس تحضره هذه الروح العالية.
أعود إلى ذكر الشعور الأول فأقول: إنه منبعث عن روح البر والخير التي
أنشأت هذه المدرسة لإفادة العلم وهي روح مصطفى بك الشوربجي الزكية قد كنت
قلت في كلمتي الأولى: إن إنشاء المدارس أفضل من إنشاء المساجد من حيث إن
المصلي في المسجد إذا كان جاهلاً تكون عبادته فاسدة، وذلك ذنب يستحق العقاب
وفي المدارس يزاح الجهل وتصح أعمال الدين وأعمال وصاحبها يستحق أفضل
الثناء والشكر فيجب أن نشكر لهذا الرجل الجليل عمله والله تعالى يشكره له ويجزيه
عليه أفضل الجزاء.
ثم انتقلت إلى حث الأغنياء على إنشاء المدارس ونشر العلم فقلت: لا أدري
أي فضل وأي فائدة للمال إذا كان صاحبه لا ينفق من فضل ماله في هذا السبيل
وهي أفضل السبل. ثم بينت فساد رأي من يجمع المال لأجل اللذات الحسية وقلت:
لا أرى مثلاً لمن يجمع المال لكنزه في الصناديق أظهر مما ضربه به الإمام
الغزالي للمرابي الذي يجعل المال مقصودًا لذاته في العمل والكسب؛ إذ قال: إنه مثله
مثل من يحبس القاضي العادل الذي يفصل في الخصومات وينصف المظلوم من
الظالم ويترك الناس فوضى يتناهبون ويتواثبون. وإن الذي يقدر على نشر العلم ثم
يقصر فيه أجدر بهذا المثل فإن أهل التعدي ومرتكبي الجرائم إنما يجترحون
السيئات بإغواء الجهل وفساد التربية فإن المربي العالم بما لغيره عليه من الحقوق لا
يسرق ولا يعتدي فإثم جميع الجرائم التي تقع في البلاد على عاتق الأغنياء بل
عليهم تبعة جميع ما نحن فيه من التأخر في العلم والكسب والشئون الاجتماعية.
وإذا كانوا يجمعون المال لأجل الشرف وارتفاع المكانة فقد زال ذلك الزمان
الذي كان يعد فيه التوسع في الإنفاق على احتفالات الأفراح والمآتم والموالد من
الشرف وصارت هذه النفقات منتقَدة ومنظورة بعين السخط من العقلاء والفضلاء.
وأما الإنفاق في طريق العلم فقد كان ولا يزال هو الشرف الأعلى وصاحبه هو
المحمود عند الله وعند الناس بل هو أفضل الناس إذا قام بحقوق المال مع سائر
الحقوق وهو الذي يسمى الغني الشاكر.
يتوهم قوم أن الزهد - الذي يستحبه الدين - عبارة عن اختيار الفقر وتفضيله
والرغبة عن الكسب وهو توهم باطل فإن النبي e فضَّل الأخ المكتسب على الأخ
المنقطع للعبادة. أزيد على هذا أن الحديث الذي استدل به بعض العلماء على أن
الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر قد استدل به نفسه آخرون على أن الغني
الشاكر أفضل، الحديث هو أن بعض الفقراء شكوا للنبي صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم سبق الأغنياء لهم بالخير والأجر؛ لأنهم يصلون مثلهم ويتصدقون بفضول
أموالهم فأمرهم بالذكر والتسبيح والتحميد فرضوا ثم عادوا وقالوا إنهم يفعلون ذلك
فقال: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} (المائدة: ٥٤) ، والمتبادر أن الإشارة
إلى المال الذي ينفق في سبيل الله - وسبيل الله هو كل ما فيه فائدة ومنفعة للناس -
وإنما الزهد المحبوب هو أن لا يكون الإنسان عبدًا للمال، وهو زهد النفس.
هذا هو الغني الذي يجمع للإنسان بين خيري الدنيا والآخرة. ويظن بعض
الناس أن عمل الخير لأجل الشرف والمحمدة مذموم في نظر الدين ولا ثواب
لصاحبه عند الله تعالى بل هو مؤاخَذ كما يؤخذ من كتب الصوفية. إن هذا الظن
غير صحيح وما كان الله ليؤاخذ الإنسان على شيء أودعه في فطرته وجعله سائقًا
له إلى كماله وهو حب المحمدة الحقة. وأما المذموم عند الله تعالى وعند الناس هو
حب المحمدة الباطلة والثناء الكاذب ما توعد الله الذين يحبون أن يحمدوا بما فعلوا،
وإنما توعد الذين {وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (آل عمران: ١٨٨) ،
كيف يكره الله تعالى للعاملين حب الثناء بالحق ورفعة الذكر، وقد امتنَّ بذلك على
أفضل العاملين وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال تعالى في خطاب خاتم النبيين:
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: ٤) ، وقال تعالى في كل من إبراهيم وموسى
وهارون وغيرهم من الأنبياء: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} (الصافات: ٧٨) ،
أي: تركنا عليه الثناء الحسن.
حب المحمدة الحقة لا ينافي كون العمل الصالح لوجه الله تعالى بل هو معنى
من معانيه. وإننا لن نبلغ نفع الله فننفعه ولن نبلغ ضره فنضره كما ورد وإنما كُلفنا
بعمل الخير لأجلنا لا لأجله؛ فابتغاء وجه الله في العمل هو إرادة المنفعة الباقية به
فإن لكل شيء في هذه الدنيا وجهين: وجهًا إلى الحظوظ الجزئية الفانية ووجهًا إلى
المنافع الكلية الباقية وهذا هو وجه الله تعالى والذي يرضيه ويثيب عليه. والثناء
عليه حق. {وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: ٤) .
إذا عرف الناس للعامل المحسن فضله وشكروا له علمه يكون ذلك باعثًا للهمم
إلى المباراة والمسابقة في ميادين الأعمال النافعة، وإن تقدم الأمم وارتقاءها على قدر
مباراة أفرادها في الأعمال النافعة ومسابقتهم في ميادينها. وإذا كان الملوك والأمراء
هم الذين يحفلون بما يكون من أفراد رعاياهم ويقدرون المحسنين قدرهم فلا تسلْ
عن مبلغ تأثير ذلك في تقدم الأمة وارتقائها. أذكر أن السلطان ملكشاه السلجوقي قد
احتفل بعالم نبغ في عصره لا أذكر اسمه الآن وكان من عاداتهم أن يقودوا في
موكب الاحتفال الخيل المسوّمة أمام المحتفَل به وعليها المياثر المونقة. وكان من
عناية السلطان أن مشى في الموكب مشيًا ووضع على عاتقه وظهره ميثرة من
المياثر التي توضع على الخيل، فلامه وزيره نظام الملك في نفسه على هذه
المبالغة في التواضع، وسأله عن السر في ذلك فقال له: سأجيبك عن هذا السؤال
بعد بضع سنين، فلم تمر السنون المعينة إلا وقد نبغ في تلك البلاد عدد عظيم من
العلماء الأعلام، فقال السلطان للوزير: هذا هو جواب سؤالك.
قلت: وأجدر أمراء المسلمين بالعناية بأمر العلم في هذا العصر أمير هذه
البلاد فإنه أعرفهم بقيمة العلم؛ لأنه قد تربى في المدارس العالية وأخذ من العلوم
حظًّا لا نعرف أميرًا مسلمًا يساهمه فيه. فإذا هو أظهر رضاه واغتباطه بمثل هذا
العمل الجليل فلا نلبث أن نرى الأغنياء والوجهاء يتبارون في مثله (قلت هذا
وأمامي مندوب من الأمير يحمل الوسام العثماني من الدرجة الثالثة لمصطفى بك
الشوربجي كما يأتي) .
ثم بعد ختم الكلام بالحث والترغيب دُعي إلى الخطابة إبراهيم بك الهلباوي
فقام واعتذر بمثل ما اعتذرت به وزاد عذرًا ثالثًا وهو أنه لم يكن يتوقع الخطابة ثم
قال إنه يوافق الخطيب الأول في قوله إلا أنه لا يرى حوله إلا ما يسر من الإقبال
على العلم وافتتاح المدارس وذكر حال البلاد قبل ثلاثين سنة وما كانت عليه من
الرغبة عن العلم والتعليم، لا سيما تعليم البنات وقال: إن الأهالي كانوا يعتقدون أن
تعليم العلوم إذا لم يكن مذمومًا بلسان الدين فإنه ليس محمودًا وإن حال العلماء كان
يقوي هذا الاعتقاد فيهم وإن من تحوُّل الحال أن صرنا نرى كبار العلماء تؤسس
المدارس وتحضر احتفالاً وأن أكثرهم يرسلون أولادهم إلى المدارس لابسي
الطرابيش والسراويل الضيقة كسائر أبناء العصر الجديد وخص بالذكر مفتي الديار
المصرية ركن العلم الركين ورئيس الجمعية الخيرية الإسلامية التي تدير عدة
مدارس منتظمة في تأسيسها. وكذلك مدارس جمعية العروة الوثقى. واستطرد من
ذكر الجمعيات إلى الثناء على صاحب الاحتفال مصطفى بك الشوربجي وقال: إنه
صار فينا الفرد يعمل عمل الجمعية كهذا الرجل الفاضل الذي وجه عنايته إلى
تأسيس المدارس المتعددة.
ثم قام بعده جندي أفندي إبراهيم صاحب جريدة الوطن الغراء خطيبًا وقال في
فاتحة كلامه: إن الخطيبين السابقين اعتذرا بما اعتذرا به عن التقصير الذي تقتضيه
مهابة روح العلم الحاضرة وإنه أجدر بالاعتذار لولا أن جرَّأه اعتقاده بحلم العلماء
وإغضائهم ثم قال: إن الخطيبين تكلما في فضل العلم والحث عليه وإنه اختار أن
يجعل معظم كلامه في مكارم الأخلاق فإن العلم لا يفيد بدون مكارم الأخلاق شيئًا
وأطنب في ذلك ما شاء وأثنى على المحتفل بما هو أهله.
ثم رغب مدير الاحتفال إلى الأستاذ الإمام بأن يشنّف الأذان بدُرَر كَلِمه ويحلي
العقول بعقود الجوهر من حِكَمه، فقام واقفًا ولما وقف اضطرب الجمع وطفقوا
يقتربون حتى كادوا يكونون عليه لِبدًا. ولما تكلم امتدت الأعناق، وشخصت
الأبصار. وأصاخت الآذان وخشعت الأصوات، وأمر العازفون بالموسيقى بالكف
عن عزفهم. ولكن الأستاذ كان - لسوء الحظ - قد عرض له شبه بحّة منعته من
رفع الصوت والاسترسال في الكلام حتى ترك لها الدرس في الجامع الأزهر فلم
يُطل القول كما كان يحب هو ويحب الناس وساوى في الاعتذار الخطباء الذين
اعتذروا بمهابته وإجلاله عن الاسترسال في القول والإجادة في الخطابة.
اعتذر بما ذكر وقال إن هذا العذر كاد يمنعه حضور الاحتفال بالمرة كما منعه
الإجابة إلى حضور الاحتفال التأسيسي؛ ولكنه تحمل المشقة للترغيب والتنشيط في
إنشاء بيوت العلم ورؤية هذا الرجل الموفق للخير المسوق إليه بوازع الفطرة
السليمة.
قال: إنني من زمن بعيد كنت أشتهي أن أرى الخير الفطري البسيط في
الإنسان وما كنت أظفر به، رأيت كثيرًا من الأخيار ولكنني كنت أرى الخير فيهم
مركبًا من الاستعداد الطبيعي والتأديب الصناعي لا بسيطًا ساذجًا حتى إذا رأيت
اليوم هذا الرجل مصطفى الشوربجي، رأيت جمال الفطرة الإنسانية في بساطتها
وسذاجتها، رأيت هذا الرجل مسوقًا إلى عمل الخير بسائق حب الخير لا ينبغي به
حمدًا ولا شكرًا إلا وجه الله ومرضاته وإنني أراه مدفوعًا إلى مثل الاحتفال.
ولولا ذلك لم يكن يخطر له ببال على أني موافق على ما قال الخطيب الأول
في حب المحمدة الحقة ولكن هذه مرتبة أخرى لا تكاد توجد إلا في الفطرة السليمة.
رُزق هذا الرجل مالاً فاهتدى إلى إنفاقه في أفضل وجوهه ووضعه في أشرف
مواضعه وليس هذا بالأمر الصغير فقد قال علماء الاقتصاد: إن الدراية والعناية التي
يحتاج إليها في إنفاق المال تزيدان عما يحتاج إليه في جمعه عشرة أضعاف فقلما
يحسن إنفاق المال مَن لم يتعلم هذا العلم في المدارس العالية. ولكننا نرى أكثر
الذين تقلبوا في المدارس وتوسعوا في درس علم الاقتصاد السياسي من أهل بلادنا
هم أشد الناس إسرافًا في المال وتبذيرًا له وقلما يضعون منه شيئًا في موضعه ونرى
هذا الرجل العامي البحت - الذي تربى في الغيطان والمزارع لا في المدارس، فلم
يسمع بهذا العلم - قد وُفق إلى عمل العلماء الراسخين فيه ثم قام يعلم المتعلمين
بحاله كيف ينفقون ويعلم غير المتعلمين بما ينشئ لهم من المدارس كيف يعملون!
ثم قال: أما العلم وفضله والترغيب في نشره فقد تكلم فيه الخطباء وأنا موافق
لهم فيما قالوا لا خلاف بينهم في الواقع فإن الأول تأسف لتأخرنا في العلم بالنسبة
إلى ما نحن في أشد الحاجة إليه واعتبار أن ما عندنا لا يقع أدنى موقع من حاجتنا.
والثاني أظهر السرور والاستبشار من حالنا العلمية بالنسبة إلى ما كنا فيه ولا شك
أنه يوجد فينا حركة نحمد الله عليها (أي إن الخطيب الأول نظر إلى الحال مع
المستقبل والخطيب الثاني نظر إلى الحال مع الماضي وهذا هو الواقع منا حقيقة)
وأما الثالث فقد تكلم عن مكارم الأخلاق وكون العلم لا يفيد بدونها شيئًا. ولا شك أن
مكارم الأخلاق من لوازم العلم الصحيح الذي مدحه الخطباء. ويمدحه جميع العقلاء،
فإنهم يعنَوْن بالعلم ما كان ملكة في النفس والملكة من مادة الملك فمعناها أن يكون
العلم مالكًا للنفس مصرفًا لها في شؤونها.
ولا معنى لمكارم الأخلاق إلا أن تكون إرادة الإنسان تابعة للعلم الصحيح
بوجوه المصالح والمنافع.
فالعلم ومكارم الأخلاق متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. ومن أطلق العلم
على غير هذا المعنى الذي قلته وقال إنه لا تأثير له في الأعمال ولا في النفس فهو
متجوز أي منتقل عن الحقيقة إلى نقيضها وإن شئت قلت إنه كاذب ولم يفهم معنى
العلم.
ثم ذكر الأستاذ أن الجناب الخديوي قد أرسل مندوبًا من قِبَله لحضور هذا
الاحتفال عناية بصاحبه وإن عنايته بمثل هذا الأمر لها من التأثير في الناس ما
يساوي عناية أمة كاملة به.
قال: وسيكون كلامه هو خاتمة الكلام.
وعند ذلك نهض المندوب وقال الناس وذكر أن مولاه أرسله ليحضر هذا
الاحتفال ويبلِّّّغ صاحبه مصطفى بك الشوربجي أنه مسرور ومغبوط بهذه الخدمة
الجليلة للبلاد ويقلده الوسام العثماني من الدرجة الثالثة وكان الوسام في يده
ومصطفى بك الشوربجي واقف فأعطاه إياه فأخذه ووضعه في جيبه. ولو قلده إياه
تقليدًا لكان أجمل وأكمل. والمزيَّة في هذا الوسام من وجه واحد وهو أن الأمير
أرسله مع مندوب من قبله حضر الاحتفال باسمه فكان كما قال الناس بمثابة حضور
الأمير بنفسه ولولا ذلك لما كان له كبير شأن؛ فإن الرتب والوسامات في مصر
صارت أكثر ابتذالاً منها في الآستانة.
ثم ختم الاحتفال بقراءة آيات من الكتاب العزيز وكان ذلك قبل الظهر، ثم
نُصبت بعده الموائد، فتغدَّى الجموع، وانصرفوا حامدين شاكرين.