للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المحسن المصري العظيم منشاوي باشا

ذكرنا في جزء مضى أن صاحب السعادة أحمد باشا المنشاوي الشهير تبرع
بمائة فدان من أطيانه لمدرسة الصنائع التى تنشئها جمعية العروة الوثقى في
الإسكندرية.
وقد كتب رئيس الاكتتاب لإعانة المدرسة صاحب الدولة مصطفى رياض باشا
كتاب شكر إلى هذا المحسن العظيم وأرسلت الجمعية طائفة من أعضائها إلى داره
في الشرقية يشكرون له بأنفسهم هذا الإحسان. ولما كان الشكر مدعاة المزيد هزته
أريحية الكرم فتبرع بوقف ثلاث مائة فدان على هذه الجمعية الخيرية فكتب إليه
رياض باشا كتاب شكر آخر ترغيبًا في الإحسان وإسعادًا على الترغيب فيه وهو:
سعادتلو أفندم أحمد منشاوي باشا حضرتلري:
سلام وثناء عليك يا مَن عرفت كيف تصرف الأموال وكيف تخدم الأوطان
وكيف تتقدم البلاد، إنني كثيرًا ما تمنيت الخير وكثيرًا ما حببت فيه وكثيرًا ما ناديت
الأمة المصرية إلى جمع الأموال لتأسيس المدارس العلمية والصناعية وبعد أن
أوشك اليأس أن يستولي عليَّ رأيتك أيها الشهم الكريم وقفت مائة فدان على مدرسة
محمد علي الصناعية. فعملك هذا جدد فيَّ الآمال وحببني في الأمة المصرية
بأجمعها لوجود مثلك وجعلني أعتقد بأن أغنياء الأمة سيقتدون بك في هذا العمل
الجليل الذي قمت به لتعلمهم ما يجب على الأغنياء نحو وطنهم وكتبت لسعادتكم من
آيات الشكر ما تستحقه من الله والأمة ثم جاءني كتاب من سعادتك ينبئني بأنك أيها
البار بوطنك وقفت ثلاث مائة فدان على جمعية العروة الوثقى، فالحق يقال. إن حبك
لبلادك وكرم نفسك وسخاء يدك أدهشني إعجابًا بهمتك العالية وحسن عاطفتك للخير
نحو أمتك لأنني لم أر مصريًّا جاد بما جدت به وستشكرك الأجيال المستقبلة على
فضلك هذا كما شكرتك الأمة بأسرها. وأهلاً بزيارتك التي وعدت بها في خطابك.
نسأل الله أن يمد في أجلك لإحياء بلادك ولتكون قدوة حسنة لغيرك. والسلام
عليك أيها المفضال.
(رياض)
في ٣ ربيع آخر سنة ١٣٢١
فحق علينا أن نعترف الآن بأن أحمد باشا المنشاوي هو أول غني يفتخر
المصريون بكرمه الحميد وإحسانه النافع بل هو مفخرة لجميع المسلمين الذين صار
أغنياؤهم في هذه القرون يبخلون بالدرهم في طريق المعارف وما دون المعارف من
الخير ويبذلون القناطير المقنطرة في الإسراف والمخيلة والتمتع بالشهوات التي
تفسد الأخلاق والآداب وتضعف الأمة بذهاب ثروتها والإدلاء بها إلى الأجانب.
وإننا لننتظر من محسننا العظيم نفحة من هذه النفحات لأخت جمعية العروة
الوثقى وشقيقتها الكبرى وهي الجمعية الخيرية الإسلامية، ولعله يخبئ لها إنشاء
المدرسة الكلية التي لا تتحقق أمنيتها إلا بكرمه وجوده ومما لهجت به الجرائد في
هذه الأيام أن محسننا العظيم تبرع بألفي ليرة عثمانية إعانة لسكة الحديد الحجازية
وبخمس مائة ليرة باسم قرينته، فجزاه الله أفضل الجزاء بمنّه وكرمه.