للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

علم الهيئة والقرآن
(س٢) ومنه: كيف ينطبق علم الهيئة الجديد من أن هناك عوالم شمسية
لا يحصي عددَها سوى خالقها غير عالمنا الشمسي، وأنها ممتلئة بالمخلوقات على
قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} (الجاثية: ١٣) وأن نبينا صلى الله عليه وسلم مرسل لكافة الخلق، وأنه سيد
الوجود على الإطلاق؟
(ج) السموات هي الأجرام السامية فوقنا، وهي كثيرة جدًّا فمنها سبعة كواكب
تابعة لشمسنا وهي نبتون وأورانوس وزحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد
وهذه الكواكب سيارة، ولها أقمار تتبعها كقمر الأرض، ومنها شموس لها عوالم تابعة
لها لا نعرف حقيقة أمرها، ولكننا نعرف أن جميع هذه السموات التي فوقنا مسخرة
بقدرة الله تعالى لنا ننتفع بنورها الذي هو من أسباب الحياة في الأرض، ونهتدي بها
في ظلمات البر والبحر كما قال في آية أخرى مبينة للإجمال في الآية الواردة
في السؤال {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ} (الأنعام: ٩٧) ويصح أن يكون من وجوه التسخير وضروب الانتفاع ارتباط
بعضها ببعض بالسنة الإلهية التي يعبرون عنها بالجاذبية العامة؛ إذ لولا بقاء هذه
الجاذبية لاصطدم بعض هذه الأجرام ببعض، وخرب العالم كله كما أنه لولا النور
المنبعث منها لما عاش حيوان ولا نبات في الأرض. فهي مسخرة لنا بهذه
الاعتبارات.
وأما بعثة نبينا لجميع المخلوقات في جميع العوالم فلا دليل عليها في عقل ولا
نقل، أما العقل فلا معنى عنده لكونه مرسلاً لقوم يسكنون في كوكب آخر، وهو في
كوكب الأرض وهو الوجه في السؤال، وأما النقل فقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ
كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: ٢٨) أما ذكر العالمين في قوله تعالى: {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧) ؛ فيراد به من أرسل إليهم للجمع بين
الآيتين ولما عهد في تفسير مثل هذا التعبير، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ
وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ} (آل عمران: ٣٣) وأما كونه سيد
الوجود فهذا اللقب لم يرد في كتاب ولا سنة، وإنما ورد في كلام بعض المتأخرين،
ولكن ورد في الحديث الصحيح: (أنا سيد ولد آدم) قال الشيخ محيي الدين بن
عربي: إنَّه لولا هذا الحديث لما فضلناه على غيره من الأنبياء. فإن هذا التفاضل لا
يُعرف إلا بالنص الصريح عن المعصوم؛ لأنه لا ذوق لنا في مقامات الأنبياء، وهو
يرد ما قاله بعض المتكلمين من تفضيل خمسة على الجميع، وجعْل الفضيلة بين
الخمسة على ترتيب الذكر في هذا البيت:
محمد إبراهيم موسى كليمه ... فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلمِ
ويعد هذا مجازفة وتحكمًا. وقد سبق لنا الاستدلال في (المنار) على تفضيله
عليه السلام بأدلة معقولة، والحق الذي لا مرية فيه أن سيد الوجود على الإطلاق هو
الله تعالى وحده، ومن غرور الإنسان أن يفضل جنسه على جميع خلق الله على جهله
بهم، والله تعالى يقول في بني آدم:] وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًَ [
الإسراء: ٧٠) وأن هذه الأرض التي يسكنها الإنسان إذا نُسبت إلى ملك الله
الواسع كانت كذرة من جبل أو نقطة من بحر؛ بل كانت أقل من ذلك {وَمَا يَعْلَمُ
جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} (المدثر: ٣١) .
والله أعلم وأحكم. والسكوت عما لا يعلم المرء أسلم.
***
السعدية والرفاعية
(س٣) الشيخ قاسم محمد غدير بأسيوط: ما قولكم دام فضلكم فيما تفعله
طائفتا السعدية والرفاعية من ضرب بعضهم بعضًا بالسيوف، والاتكاء عليها من غير
أن يصيبهم ضرر، هل هذا كرامة لشيخهم أم لا، وإن كان الثاني فما وجه عدم
الضرر؟
(ج) إن هذه إلا ضُرُوب من اللعب يتمرنون عليها، ويوجد في أوربا من
الولدان والبنات الحسان من يفوقهم في ذلك، والذكي الفطن لا يخفى عليه من أمرهم
شيء إذا هو تأمل. رأيت بعيني رجلين رفاعيين قابضين على سيف من طرفيه،
فجاء ثالث فوضع بطنه على السيف مكشوفًا يوهم الناس أن ثقله كله على السيف،
وهو في الواقع معتمد بيديه على الرجلين بحيث يتمكن من إلقاء الثقل على السيف بقدر
الحاجة، ولو كان هذا اللعب من الكرامات لكان كرامة لفاعليه لا لشيوخهم و (تلك
العصا من هذه العُصَيَّة) .
***
دخول الفرن
(س٤) ومنه: قرأت في (المؤيد) المؤرخ في ٢٦ ربيع الأول لمكاتبه
الإسكندري أنه علم أن شخصًا من ذرية سيدي عبد السلام الأسمر بالغرب جاع
بمريوط، واستُطعم فلم يُطعَم، فدخل فرنًا هناك فيه لحم يشوَى فأكله فما هذا؟
(ج) سترون الجواب في مقالات الكرامات والخوارق، واعلموا أن رواة
الجرائد ليس فيهم شروط العدالة التي يعتبرها المحدثون في الرواة الذين تفيد
روايتهم الظن، فكيف نعتمد عليها فيما يُطلب في اليقين كالذي نحن فيه؟ !
***
قراءة الفاتحة
(س٥) ومنه: ما حكم قراءة الفاتحة في الاتفاق على أمر، أهي بمنزلة
اليمين أم لا، وما جزاء مَن لم يعمل بما قُرئت الفاتحة لأجله؟
(ج) جرت عادة الناس في هذه البلاد، وفي بلاد غيرها بأن يقرأ المتعاقدان
على شيء الفاتحة بعد إبرام الاتفاق، يجعلونها علامة على إبرام العقد والوفاق تفاؤلاً
بأن يكون ما اتفقا عليه خيرًا، ويتم بخير، وليس لقراءة الفاتحة حكم خاص في هذا
المقام، ولا أعرف له أصلاً في الدين، ولكن التعاقد على شيء يجب الوفاء به إن لم
يمنع من ذلك مانع شرعي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: ١) .