للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحد المشتركين


تحرير يوم مولد النبي عليه الصلاة والسلام

أستاذنا الأجل السيد محمد رشيد رضا صاحب ومحرر مجلة المنار الغراء..
أفتتح كتابي هذا بالشكر الذي يجب على كل مسلم أنه يقدمه لسيادتكم على ما
لكم من الأيادي البيضاء، والهمة الشماء في منافع المسلمين، وتخليص الدين من
شوائب المضلين، فالله ينفع بكم البلاد والعباد، ويوفق الكل للعمل بتعاليمكم المفيدة.
أما بعد: فيا أيها السيد جاء في العدد الخامس من مجلد هذه السنة ضمن كلام
للأستاذ الإمام (نفعنا الله به وبعلومه) : أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد ليلة
الاثنين ١٢ ربيع الأول عام الفيل (٢٠ أبريل سنة ٥٧١ ميلادية) وقد اطلعت على
رسالة لصاحب السعادة محمود باشا الفلكي وضعها باللغة الفرنساوية، أثبت فيها أن
ميلاده -عليه الصلاة والسلام - ليلة الاثنين ٩ ربيع الأول عام الفيل - ٢٠ أبريل سنة
٥١٧ أيضًا وأورد على ذلك أدلة كثيرة استنتج منها أن ليلة الولادة لا بد أن تكون
ليلة الاثنين ٨ أو ١٠ أو ١٢ ربيع الأول حسبما جاءت به روايات الأئمة الأعلام.
وبعد الحساب الدقيق وجد أن أول الشهر المذكور وقع في ١١ أبريل سنة
٥٧١م، حيث كان الاجتماع الحقيقي للقمر، وعليه لا يكون يوم اثنين بين ٨ و١٢
منه إلا يوم ٩ منه وجاء في نهاية عبارته: (يتلخص من ذلك أن النبي صلى الله
عليه وسلم وُلد ليلة الاثنين ٩ ربيع الأول عام الفيل - ٢٠ أبريل م، فاحرص على
هذا التحقيق) .
وأنا مع اعتقادي بأن منار المسلمين لا يجب عليه البحث في مثل هذا
الموضوع إلا بما تسمح به الظروف لكني آنست منه أن نرشد فيه إلى سواء السبيل؛
لذا جئت بهذا راجيًا الإفادة عما يلزم أن نعتقده، أو كيف يمكن الجمع بين القولين
والسلام.
... ... ... ... ... ... ... (أسيوط) - أحد المشتركين
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (أ. ف.)

(المنار)
في تعيين تاريخ مولده عليه السلام أقوال أرجحها أنه ولد ليلة الاثنين لثمانٍ
خلون من ربيع الأول، وأشهرها لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، وترجيح الأول هو
المعروف عند علماء الحديث والتاريخ ٩، قال في (السيرة الحلبية) : (وقيل لثمان
مضت منه، قال ابن دحية: وهو الذي لا يصح غيره، وعليه أجمع أهل التاريخ،
وقال القطب القسطلاني: هو اختيار أكثر أهل الحديث أي: كالحميدي وشيخه ابن
حزم) .
وظاهر أن معناه أنه ولد في اليوم التاسع من الشهر (لا فرق بين ليله ونهاره)
لأن التاسع هو الذي يتلو الثمان التي خلت من الشهر. ولجهل كثير من أهل هذا
العصر بأسلوب العرب في التاريخ كقولها في أول الشهر: لثمان خلت ونحوه
وقولها في أواخره لثمان بقين مثلاً يظنون أن معنى (ولد لثمان خلت من الشهر)
أنه ولد في الثامن منه. ومن آية ترجيح هذه الرواية موافقتها للحساب الذي نقلتموه
وقد جمع الأقوال كلها بعضهم فقال: ولد عام الفيل يوم الإثنين (ولا خلاف في
هذين) لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، أو لليلتين خلتا منه، أو لثمان أو
لعشر خلون منه. أقوال (خاتمة مجمع بحار الأنوار) وهناك أقوال أخرى ذكرها
أهل السير، ولا عبرة بها بعد تصحيح النقل بما يوافق الحساب الدقيق.
الخلاف في تحديد اليوم الذي ولد فيه عليه الصلاة والسلام لا يترتب عليه
حكم شرعي ولا دنيوي ولذلك يتساهل العلماء فيه، ويحتفلون مع المحتفلين بتذكار
المولد في الثاني عشر من الشهر وهم يعتقدون أن المولد كان في التاسع على الراجح
فيحتمل أن يكون قد كتب الأستاذ الإمام ما كتب تعمدًا لهذا التساهل ويحتمل أن يكون
قد جرى قلمه بالمشهور سهوًا. ولا محل للعجب من اشتهار القول المرجوح في هذه
المسألة فإذا كان الخلاف في مولد نبينا بأيام فالغلط في مولد المسيح بعد بالسنين كما
في كتاب (تقريب التقويم) تأليف يعقوب باشا أرتين وكيل المعارف في مصر،
وفانتر باشا باشمهندس الدائرة السنية. وقد عرَّب هذا الكتاب محمد أفندي
كامل المدرس بالمدرسة الحربية، وقرأنا في (المقتطف) الأغر نقلاً عنه ما يأتي:
(إذا جعلنا مبدأ جميع الأزمان الماضية من التاريخ المسيحي ١٦ يوليه
سنة ٦٢٢ يوليانية تجنبنا كل إشكال، فإن من المعلوم أن طريقة حساب السنين
بالابتداء من ميلاد المسيح وُضعت سنة ٥٢٦ بمعرفة ديونيسيوس أحد قسس (أي:
قسوس) بعض الأديرة (أي: الأديار) برومة، وقد أخطأ في حسابه بجعله مبدأ
التاريخ المسيحي متأخرًا بنحو خمس سنوات؛ لأنه بموجب حساب أمهر المؤرخين
المؤسَّس على مؤلَّفات القدماء مثل يوسيفوس ورديون كسيوس، كان ميلاد المسيح في
٢٥ ديسمبر سنة ٦ قبل التاريخ المسيحي، وليس ٢٥ ديسمبر سنة ١ قبل التاريخ
المذكور كما يظنه العوام. وهو خطأ لا يزول، لما يترتب على تصحيحه من
الارتباك المهول) اهـ.
(المنار)
من العبر في هذا التحرير أن ما يشتهر على ألسنة العوام لا قيمة له وإن
وافقهم الخواص سكوتًا، وأن اتفاق الملايين من العوام على أمر لا يصلح دليلاً على
جعله متواترًا، فإن نقل التواتر لا بد أن يكون في كل طبقة من الناقلين حتى ينتهي
في الطبقة الأولى إلى الحس الذي لا شبهة فيه.