للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(الاحتفال بتذكار عيد الجلوس السلطاني)
في يوم الثلاثاء الماضي زُينت حديقة الأزبكية احتفالاً بتذكار جلوس مولانا
السلطان عبد الحميد خان على عرش السلطنة العثمانية - أيدها الله تعالى - وكان
رئيس لجنة الاحتفال أحمد باشا المنشاوي، وقد أذاعت الجرائد بأن المال الذي
يُجمع لأجل الاحتفال ينفق منه على الزينة، ويصرف ما بقي منه إلى إعانة سكة
الحجاز، فأقبل الناس على البذل، وعلى شراء ورق الدخول في الحديقة، وتبرع
إسكندر أفندي فرح - صاحب جوقة التمثيل العربي - بأن يمثل في الحديقة رواية
صلاح الدين مجانًا، وتبرع كذلك الحاج حسن النوتي، الذي تولى إقامة معالم
الزينة بنصف الأجرة؛ لهذا ولقلة العناية بالزينة يُرجى أن يكون ما بقي من المال
لإعانة السكة عظيمًا جدًّا - فإن الجمعية الخيرية الإسلامية تنفق أضعاف ما أنفقت
اللجنة على زينتها، ويبقى لها من الربح زيادة عن ألف ومئين من الجنيهات في كل
عام.
* * *

(الأستاذ الإمام في أوربا)
يسافر أكثر أمراء المصريين وكبار الموظفين منهم كل عام إلى أوربا
مصطافين، فيقضون أشهر الصيف هناك في لهو ولعب وتمتع باللذَّات، وخيرهم من
يسافر لغرض صحيح كترويض جسمه بالاستحمام في الحمامات المعدنية وصعود
الجبال، أو لاختبار يفيده في صناعته التي بها قوام منافعه الشخصية، ولم نسمع عن
أحد منهم أنه سافر لاختبار حال التربية والتعليم في تلك البلاد التي أجمع علماؤها
وعقلاؤها على أنهم ما سادوا الأمم إلا بالتربية والتعليم، والاستفادة من ذلك
لتكميل نفسه والاستعانة على نفع قومه إلا الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية فإنه
قد سافر من قبل غير مرة لتعلُّم أفصح لغات القوم (الفرنسية) فتعلمها، وأحسنها،
ووقف بها على أهم معارفهم التي تعينه على ترقية أمته. وقد وّلَّى وجهه في
هذه السنة شطر المدارس الكلية التي يتخرج فيها كبار الرجال ليختبر شؤونها حتى
إذا حقق الله تعالى رجاءه بإيجاد مدرسة جامعة في هذه البلاد يكون على بصيرة
في كيفية تأسيسها ونظامها كما يرشد إليه قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} (الحج: ٤٦) وكما قال
الشاعر:
قد سلك الطريق ثم عادا ... ليخبر القوم بما استفادا
وقد سبق له رؤية المدارس الفرنسية العالية، وكان في بعض أسفاره قد أخذ إذنًا
من ناظر معارف فرنسا بأن يزور أي معهد من معاهد العلم في أي وقت شاء. ولما
كانت التربية ونظام التعليم في البلاد الإنكليزية مفضَّلين عند علماء هذا الشأن من
الفرنسيين على مثلهما في سائر الممالك الأوربية سافر في هذه السنة لزيارة أعظم
مدارس هذه الدولة العظيمة، وأعظمها كلية أكسفورد وكلية كمبردج.
وقد ذكرت جرائد لوندرة هذه الزيارة وما كان من احتفال رجال العلم في
المدرستين، وإجلالهما للأستاذ، وأثنت الجرائد عليه بما هو أهله من العلم
الواسع والعقل الكبير والهمة العالية، وذكرت غير ذلك من تقلبه في البلاد كزيارته
للفيلسوف سبنسر أعظم فلاسفة أوربا الاجتماعيين، ونزوله ضيفًا كريمًا على المستر
ويلفرد بلنت في قصر (كرايت بارك) . وقالت: إن المستر كوكرنل قد صحب
فضيلته في زيارة مدرسة أكسفورد، وأن الأستاذ بويل المؤلف الشهير كان دليلاً له؛
لأنه من معلمي التاريخ في تلك المدرسة، وقالت: إنه لما زار مدرسة كمبردج خرج
لاستقباله في المحطة طائفة من أساتذتها، وإن المستر إدوار براون قد دعاه
فيها إلى طعام الغداء، ودعا لأجله طائفة من الأساتذة وبعض المستشرقين وكبار
المستخدمين، وإنه تناول طعام العشاء في قاعة المدرسة الكبرى. وذكرت تفصيل
الزيارة بما لا حاجة لي بيانه هنا، وقد لخصته الجرائد اليومية المصرية، وذكرت
ثناء الجرائد الإنكليزية على معارف الأستاذ الواسعة.
وقد كتب الدكتور إدوارد براون أستاذ اللغتين العربية والفارسية في كلية
كمبردج رسالة إلى جريدة المؤيد ذكر فيها خبر الزيارة بنحو التفصيل الذي جاء في
الجرائد الإنكيلزية، ومما جاء في رسالته قوله كما في العدد ٤٠٤٢ من المؤيد:
(ولقد كان كل مَن في المدرسة فرِحًا مسرورًا بزيارة هذا الرجل العالم
العظيم، وأعجب بعلمه وفضله وسمو آرائه جميع العلماء والعظماء، وتمنوا لو أقام
بينهم زمنًا طويلاً وفي اعتقادي أن فضيلة المفتي قد شرَّف الشرق وعلماءه في هذه
الديار) ! اهـ.
فالحمد لله الذي جعل فينا مَن نفتخر به أمام كبار رجال العلم في أوربا الذين
يرون الشرق وأهله في ظلمات من الجهل لا يبصرون!
وقد ذكرت الجرائد الإنكليزية أن المفتي سافر من إنكلترا قاصدًا فرنسا ليسافر منها
إلى تونس والجزائر، وهذا ما كنا علمناه من هنا قبل سفره، وقد كان عازمًا على
أن ينتهي إلى بلاد أسبانيا (الأندلس) حيث كانت الدولة العربية التي أفاضت العلوم
على أوربا، فانتقم منها التعصب فأفناها عن آخرها، ولا ندري هل بقي من
زمن إجازته ما يكفي لذلك أم يعود من تونس إلى بلاده التي ظمئت لمعارفه؟ ! كان
الله له وأيده بروحه حيث كان، ومد في أجله حتى يرتقي بهذه الأمة إلى أعلى ما في
عالم الإمكان.
* * *
(مكانة القسطنطينية بمكانها)
لهذه المدينة بموقعها ومكانها امتياز على سائر بقاع الأرض، وهي أنها ملجأ
وحصن بحري طبيعي، لا نظير له في بحار الدنيا، فطبيعة المكان توجب على
صاحبه أن يكون صاحب قوة بحرية لا تساويها قوة كما توجب طبيعة الأرض الخصبة
على صاحبها أن يكون غنيًّا بزراعته، وصاحب الأرض المعدنية أن
يكون غنيًّا بتجارته. فإذا أهمل صاحب الأرض الخصبة زراعتها واشتغل عنها
بشيء آخر فإن شريعة العمران تقضي بنزعها منه، وقاضي الزمان ينفذ حكمها عند
حلول الأجل الموافق له. وكذلك كل مَن قصر في استعمال ما وهبته له طبيعة
الوجود.
أُعطيت مُلكًا فلم تحسن سياسته ... كذلك من لا يسوس الملك يُنزَعه
لهذا قلنا في المقالة التي كتبناها في الجزء الحادي عشر: إنه يجب على الدولة
العلية أن تكون في مقدمة الدول البحرية بأن تكون أساطيلها كأساطيل فرنسا، وقلنا:
إنها إذا عجزت عن ذلك فإنها لا فائدة لها من هذا الحصن فتتركه طوعًا بفائدة لئلا
تتركه كرهًا بدونها. وإذا هي وُفقت لذلك ولو بعد حين من شروعها الذي يجب أن
يكون عاجلاً فإنها بذلك تحفظ مجدها، بل تعيد ما فقدت منه حتى تكون في مقدمة دول
الأرض (إن شاء الله) ؛ لأن أساطيل كأساطيل فرنسا لها حصن عظيم، كبحر
مرمرة يسهل أن يكون صاحبها مالك البرين (بَرَّي أوربا وآسيا) والبحرين
(الأبيض والأسود) ، ويصعب على مَن له قوة كقوته في البحر أن يناوئه، فإن
صاحب الحصن البحري العظيم يلجأ عند الضيق بأساطيله إلى حصنها حتى يأخذ
أهبته فيخرج مهاجمًا، ومَن لا حصن له لا ملجأ له فهو إما مغلوب وإما غير غالب.
* * *
(موسيو روا الكاتب العام للدولة التونسية)
جاءنا من تونس أن قد صدر الأمر بثبيت موسيو (روا) في منصبه السامي
بعدما أشيع بأنه سينقل من تونس، وقد سرت النابتة التونسية، وجميع عقلاء
المسلمين من تثبيته، بل كتب إلينا أن جميع التونسيين قد سروا بذلك، ولا غَرو فإن
هذا الرجل قد خُص بمزيَّة عظيمة وهي القدرة على الجمع بين مصلحة أمته الحامية،
وبين رضاء الأمة المحمية فهو على صدقه في خدمة فرنسا يخدم تونس وأهلها
الخدمة التي ترضيهم عنه، وعن قومه، وتؤلف بين القلوب.
ولو أن عند فرنسا كثيرًا من مثله في الجزائر لانحلت بحكمتهم المسألة التي
يبحثون دائمًا عن طريقة مرضية لحلها، وهي: كيف يكون كل فريق راضيًا من
الآخر مرضيًّا عنده. وقد بينا في مقالة سابقة أنه لا طريقة لذلك إلا حسن المعاملة
والجمع بين المصلحتين، وقد بلغنا أن موسيو (روا) يسلك هذا المسلك الحميد،
فنهنئ به تونس وفرنسا جميعًا.
* * *
(البابية في بلاد فارس)
جاء في بعض الجرائد الأوربية أن المسلمين في بلاد فارس قد احتموا على
طائفة البابية، وطفقوا يفتكون بهم، ويسفكون دماءهم لأجل الخلاف الديني بينهم
وشبهت جريدة التيمس الإنكليزية هذا التعصب بتعصب الروسيين على اليهود
وذكرت من وصف البابية أنهم يقربون في عقائدهم من الأوربيين، وشنعت على
الحكومة الإيرانية لتقصيرها في حمايتهم.
ونقول: إن قياس التيمس البابية على اليهود قياس غير صحيح، فإن اليهود
أصحاب دين قديم تعترف به جميع الأمم، ولكن النصارى والمسلمين يقولون: إن
المسيح ومحمدًا عليهما السلام نسخا بعض أحكامه، وأقرا بعضها فيجب عليهم الأخذ
بآخر هداية جاء بها الوحي.
وأما البابية فإنهم قوم ارتدوا عن الإسلام، وأحدثوا لأنفسهم دينًا وضعيًّا مؤلفًا
من أمشاج الوثنية والمدنية، وهم يستخفون به ويظهرون في مظاهر النفاق ليتمكنوا
من تشكيك أهل كل دين في دينهم، ولا يزال دينهم سريًا ولذلك يتمكنون من مخادعة
أهل كل دين، ولإقناعهم بأنهم منهم، ولكنهم يريدون إصلاحهم. ولقد علمنا من شابين
غَويين في مصر انخدعا لهذه الطائفة أنهم لا يطلعون أحدًا على كتبهم الأساسية
كالبيان للباب والكتاب المسمى بالكتاب الأقدس للبهاء حتى الداخل فيهم جديدًا.
وكيف تطالب حكومة إيران بأن تطلق الحرية لقوم يثيرون شغب الأهالي
بادعائهم الإسلام في الظاهر، ودعوة الناس للاعتقاد بألوهية البهاء وعبادته في
الباطن، إذا كانت الحرية الدينية في نظر التيمس محمودة فهل تنكر التيمس أن
بعض أفراد الحرية في بعض البلاد تأتي بأعظم المضرات. بماذا تحتج إنكلترا على
عدم إطلاق الحرية في بلاد زنجبار؟ أليست حجتها أضعف من حجة إيران في
عدم إطلاق الحرية لهذه الطائفة التي تشكك العوام في عقائدهم وتثير إحنهم وتخرج
أضغانهم، بحيث يخشى أن تقع البلاد في الفتن والثورات الداخلية؟ بلى ولكن
التيمس لم تقل ما قالت حبًّا في الحرية، وإنما أرادت تنبيه حكومتها إلى أن لها بابًا
مفتوحًا يسهل عليها أن تدخل منه إلى ما عساها تحب الدخول فيه.
إذا كان للخبر حقيقة فلا أرى إلا أن منشأه المشاغبة بين دعاة الدين الجديد
وعوام المسلمين كأن يقول البابي للمسلم: إن ربك البهاء دفين عكا فيحتمي عليه
ويقول: كلا؛ بل ربي الله الحي الذي لا يموت ولا يدفن، وتنتهي المكالمة بالملاكمة
فينتصر قوم هذا لهذا وطائفة ذاك له، فكيف ترضى الحكومة بهذا؟ وكيف تحاول
جريدة التيمس أن تطالب الفارسي المتدين بأخلاق الإنكليزي أو الفرنسي الذي لا
يبالي بالدين؟
ومن هنا علمنا أن فرقًا آخر بين اليهود والبابية وهو أن اليهود لا يعرضون
لتفنيد دين آخر، ولا لدعوته إلى دينهم بخلاف البابية فإنهم يعيبون على الناس دينهم
وليس من مصلحة الحكومة أن تبيح لهم ذلك من جهة السياسة فكيف والدين يوجب
عليها منعهم من تشكيك عوام المسلمين في الإسلام، وقد علمنا بعد كتابة ما مر أن
سبب الفتنة أن بعض البابية سب النبي عليه السلام علنًا فأفتى العلماء بقتله وهاج
الناس ولجأ هو إلى قنصل روسيا فمنعه من الناس، ولكن الحكومة طلبته فسلمه
القنصل وشُنق، وكان ذلك مبدأ الفتنة.
أما زعم بعض الجرائد الأوربية أن دينهم منتشر، وأن أتباعه صاروا يعدون
بالملايين فهو من الكذب الذي يُنقل عن البابية أنفسهم، فإننا رأينا أحد دعاتهم في
مصر يزعم أن منهم ملايين في إيران، وملايين في الهند وقد سألنا بعض الإيرانيين
والهنديين عن ذلك فأنكروه وقالوا إنهم في الهند يزعمون أن أتباعهم في مصر يعدون
بالألوف! وأننا لم نر ولم نسمع أن أحدًا من أهل مصر اتبعهم، وإنما رأينا شابين
من شذاذ الآفاق يمدحانهم ويلهجان ببعض هذيانهم، ولكنهما ينكران الدخول في دينهم
فهما من منافقيهم، لهذا الكذب نرى بعض الناس في شك من عددهم ومن كيفية نشأتهم
فيا ليت أحد القراء الواقفين على تاريخهم من أهل إيران أو غيرهم يكتب لنا مجملاً في
تاريخهم من غير تجريح ولا ترجيح كما هو شأن المؤرخ المنصف.
وإننا نود أن نكتب مقالات مفصلة في بيان بطلان هذه الديانة، ولكننا لا نُقْدم
على ذلك إلا بعد مطالعة كتابيهما اللذين أشرنا إليهما آنفًا إذ لا يصح أن نبني الحكم
على ما سمعنا منهم؛ لأنهم في كل يوم يغيرون ويبدلون، فيا ليت أحد القراء في الهند
وإيران يمن علينا بهذين الكتابين.