للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة

خطبة الجمعة بالأعجمية
(س١) الشيخ عبد الحق الأعظمي خطيب المسجد ذي المنارات في بمبي
(الهند) : هل يجوز العدول عن تلاوة خطبة الجمعة باللسان العربي إلى لسان البلد
التي تقام فيه الجمعة حتى ينتفع بها العموم ويحصل منها الإرشاد المطلوب فإن
بتلاوتها بالعربية على أعاجم لا يعرفون هذه اللغة فوات لفائدتها وهو إيصال الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أفهامهم وتمكين آثار الوعظ في قلوبهم وإنني في
كل أسبوع أنشئ خطبة وألقيها يوم الجمعة على مئات من المسلمين وبعد الجمعة
أسأل المتعلمين منهم الذين مارسوا اللغة العربية هل فهمتم ما تلوته على المنبر
فيقولون لم نفهم إلا كُليمات قليلة لأننا وإن كنا قرأنا قوانين اللغة العربية وعلومها إلا
أننا لا نفهم ما يُقرأ علينا بها اللهم إلا إذا نحن قرأناه وتأملناه مليًا. فآسف على تعبي
في إنشاء الخطبة فأردت أن أخطب فيهم بلغتهم الأُوردية مع ذكر أركان الخطبة
بالعربية فهل ورد في السنة وآثار السلف ما يمنع من ذلك ويحتم أداءها كلها
بالعربية وإن لم يفهمها حاضرو الجمعة كلهم أو جلهم، وبماذا كان يخطب الصدر
الأول في بلاد الأعاجم التي افتتحوها؟
(ج) قد بينا غير مرة أن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم؛ لأن
فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه كل ذلك موقوف على فهم هذه اللغة ولا
تصح إلا بها وخطبة الجمعة من أقلها تأكيدًا وثبوتًا وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة،
وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون
إلى تعلم اللغة العربية لأجل فهم القرآن والسنة والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق
وحدة الأمة بدونها وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد
يفتتحونها وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم
في زمن قصير بتأثير روح الإسلام، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام، ولو
كانوا يرون إقرار مَن يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لَبادروا هم إلى
تعلم لغات تلك الأمم وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها وبقي الروماني رومانيًّا
والفارسي فارسيًّا وهلمّ جرًّا.
وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات هو من سيئات
السياسة ومفاسدها الكبرى وإذا لم ترجع الدولتان العثمانية والإيرانية إلى السعي في
تعميم اللغة العربية في مملكتيهما فسيأتي يوم تندمان فيه وإننا لا نعتد بإصلاح في
الهند ولا بغيرها من بلاد المسلمين ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية
وجعلها لغة العلم.
لا يصعب عليك أن تجد عند الحنفية وجهًا لجواز الخطبة بلغة من تخطبهم
لأجل حصول المقصود من الخطبة كما جوزوا كون القاضي والمفتي من المقلدين
خلافًا لنصوص المذهب بل المذاهب كلها في اشتراط كونهما مجتهدين وكما جوزوا
كون القاضي جاهلاً وفاسقًا وكما جوزوا صلاة الجمعة في الأمصار التي ليس فيها
حاكم ينفذ الأحكام الشرعية وكما جوزوا إمامة مَن ليس مستوفيًا لشروط الإمامة،
وغير ذلك من الأحكام التي جوزوها للضرورة، وليس معنى جواز الشيء
للضرورة أن يُترك الأصل ويرضى الناس بالضرورة إلى أبد الأبيد وإنما معناه أن
يأخذوا بالاستعداد لإقامة الحق والرجوع إلى الأصل مع الإتيان بالشيء ناقصًا وذلك
بأن يترخصوا بترك بعض الشروط فيه مع الجد في تحصيلها إلى أن تتم الشروط
ويستقر كل شيء في نصابه وإلا كان لنا أن نترك الدين كله أو نحوله عن وجهه
تعللاً للضرورات التي تتحكم فيها الأهواء كما تشاء.
قلت: إن خطبة الجمعة أهون من غيرها لأنها غير مجمع على وجوبها فإن من
السلف من قال إنها مندوبة كخطبة العيد فإذا أقيمت أركانها الأصلية بالعربية وزِيد
فيها شيء من الوعظ بلغة أخرى للحاجة لا يخل ذلك بصحة الصلاة ولا بصحة
الخطبة ولكنه يدخل في الشعائر الإسلامية تشويهًا يخشى أن يصير مستمرًّا.
وليست المصيبة في عدم فهم الخطبة أقوى من المصيبة في عدم فهم الفاتحة
وغيرها من السور والآيات التي تقرأ في الصلاة، اللهم اجزِ مَن نصروا لغاتهم
على لغة كتابك حتى حالوا بينه وبين عبادك - بما يستحقون؛ فقد صارت صلاة
المسلمين تقليدية محضة لا روح فيها كصلاة كثير من أهل الملل الأخرى.
ويسهل على السائل أن يترجم خطبه النافعة بلغة القوم ويقرأ عليهم الترجمة
بعد الصلاة لينتفعوا بها ويتحسروا لعدم فهمهم أصلها العربي في إقامة الشعار الديني
لعلهم يرجعون.
والسائل يعلم أن المسلمين ما زالوا يخطبون بالعربية في جميع بلاد الأعاجم
لملاحظتهم ما قلناه، لم يختلف في هذا سني ولا شيعي. وقد عد بعض الحنفية
الضرورة التي تجيز العدول عدم وجود خطيب يحسن العربية حتى يوجد وقالوا لا
بد من السعي في إيجاده. قال شارح الإحياء: (وهل يشترط كون الخطبة كلها
بالعربية وجهان، الصحيح اشتراطه فإن لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب
بغيرها ويجب عليهم التعليم وإلا عَصوا ولا جمعة لهم) : يعني أن الضرورة لا
يجوز أن تجعل مستمرة بل يجب السعي في إزالتها. ونحن نقول يجب عليهم تعلم
العربية ليفهموا الخطبة وما هو أهم من الخطبة كالفاتحة وسائر الأذكار والسور،
فإن لم يفعلوا كانوا عاصين ولا صلاة لهم ولا قراءة لهم وإنما لهم الصور التي لا
تؤثر في القلب ولا تزكي النفس، وما كان كذلك فلا تأثير له في سعادة الآخرة ولا
في سعادة الدنيا والله أعلم.
* * *
حد اللواطة
(س٢) ومنه: ما الحكمة في أن الشارع لم ينص على حد اللواط مع
منافاته لأصل الطبيعة وفظاعته عند سائر الأمم من قديم الأزمان وأنه يُحدث
أمراضًا خطرة حسية ومعنوية فيضعف النفوس ويحط الهمم ويهدم مستقبل صاحبه
ويسمه بميسم الذل والشنار؟ ! وما باله يفشو في هذا الزمان في كثير من البلدان مع
انتشار العلم وكثرة الكتب وتقدم فن الطب واستنارة الأفكار حتى لقد كاد أن يكون
منبعه في منابع العلم كالمدارس وفُشوّه بين أرقى الطبقات كأولاد الأغنياء وبين
المنقطعين للعبادة المتزهدين المتنسكين كسكنة التكايا والأديار وغيرها؟ !
(ج) ليست الشريعة محصورة في جلود كتب الحنفية فقد ورد في اللواط
من التشديد والعقوبة في السنة نحو ما ورد في الزنا وورد فيه عن الصحابة القتل
والرجم والإحراق بالنار. أما الوارد في القرآن فالمجمل منه يشمل الفاحشتين
والتفصيل جاء في الزنا ومن العلماء مَن قال إنه يشمل اللواط أما كون المجمل
ورادًا في الفريقين، فهو أنه تعالى قال أولاً: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنّ} (النساء: ١٥) الآية ثم قال: {وَالَّلذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} (النساء: ١٦) الآية، فتثنية (الذي) لا يجوز أن يراد بها الرجلان اللذان
يزنيان لأنها تكون لغوًا فتعين أن يراد بها فاعِلا اللواط أو الزاني واللائط كما قال
مجاهد وأبو مسلم وغيرهما وبه أخذ الشافعي. وهذا الإيذاء مُجْمَل بَيَّنَتْه السُّنَّة.
قال عليه الصلاة والسلام: (من وجدتموه يعمل بعمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل
والمفعول) ورواه أحمد وأصحاب السنن والدارَقُطني والحاكم والبيهقي والضياء
عن ابن عباس. وفي رواية لأحمد عنه: (اقتلوا الفاعل والمفعول به في عمل قوم
لوط والبهيمة والواقع على البهيمة ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه) ، وقال صلى
الله عليه وسلم: (ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعًا) رواه ابن ماجه عن
أبي هريرة. وقال صلى الله عليه وسلم: (من عَمِلَ بعَمَلِ قوم لوط فارجموا
الفاعل والمفعول به) الحاكم عن أبي هريرة وروى مثل ذلك عنه الخرائطي في
مساوي الأخلاق وابن جرير. هذا بعض ما ورد في الأخبار وأما الآثار فقد روى
الشافعي وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور في سننه وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي
والبيهقي عن يزيد بن قيس أن عليًّا رجم لوطيًّا. وروى ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي
وابن المنذر وابن بشران والبيهقي عن محمد بن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى
أبي بكر الصديق أنه وُجِدَ رجل في بعض ضواحي بلاد العرب يُنْكَحُ كما تُنكح المرأة
وأن أبا بكر جمع لذلك ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان فيهم علي بن أبي طالب أشدهم يومئذ قولاً، فقال: إنَّ هذا ذنب لم تعمل به أمة
من الأمم إلا أمة واحدة فصُنِعَ بها ما قد علمتم أرى أن تحرقوه بالنار، فكتب إليه
أبو بكر أن يُحرق بالنار، وروى الطبراني عن سالم بن عبد الله وأبان بن عثمان
وزيد بن حسن أن عثمان بن عفان أُتي برجل قد فجر بغلام من قريش فقال عثمان:
أُحْصِن؟ قالوا: قد تزوج بامرأة ولم يدخل بها بعد فقال علي لعثمان: لو دخل بها
لحل عليه الرجم فأما إذا لم يدخل بها فاجلدْه الحد. فقال أبو أيوب: أشهد أني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذي ذكر أبو الحسن. فأمر به عثمان فجُلد.
وهذا الأثر أقوى من الذي قبله.
وأما أقوال السلف والفقهاء في ذلك فقد جاء في (الزواجر) من ذلك ما نصه:
قال البغوي: اختلف أهل العلم في حد اللوطي فذهب قوم إلى أن حد
الفاعل حد الزنا إن كان محصنًا يُرجم وإن لم يكن محصنًا يُجلَد مائة وهو قول ابن
المسيب وعطاء والحسن وقتادة والنخعي وبه قال الثوري والأوزاعي وهو أظهر
قولي الشافعي ويحكى أيضًا عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعلى المفعول به -
عند الشافعي على هذا القول - جلد مائة وتغريب عام رجلاً كان أو امرأة، محصنًا
كان أو غير محصن. وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم ولو غير محصن رواه
سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس وروي عن الشعبي وبه قال الزُّهْري وهو قول
مالك وأحمد وإسحاق. وروى حماد بن إبراهيم عن إبراهيم - يعني النخعي - قال:
لو كان أحد يستقيم أن يرجم مرتين لرُجم اللوطي. والقول الآخر للشافعي
إنه يُقتل الفاعل والمفعول به كما جاء في الحديث اهـ.
ثم قال صاحب (الزواجر) : (قال الحافظ المنذري: حَرَقَ اللوطية بالنار
أربعة من الخلفاء: أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وهشام بن
عبد الملك) ، ثم ذكر ما كتبه خالد إلى أبي بكر وقد تقدم آنفًا.
أما ما ورد في وعيد فاعل هذه الفاحشة فكثيروقد شنَّع ابن حجر على مَن
يأتيها من المترفين، ولعنهم كما يلعنهم جميع المؤمنين، وقد وصفوا من شناعة هذه
الجريمة ولكنهم لم يذكروا أعظم مضرة لها وأقبح غائلة من غوائلها، وهي إفساد
البيوت فقلما يوجد بيت للوطي طاهر من الفسق وإنما يعم الفسق كباره وصغاره
ونساءه وأطفاله. ومع هذا كله نرى أناسًا في هذه المدينة يزنون بالهنات، ويغلبون
حب البنين على البنات، وهم يصفون أنفسهم بأنهم من الأدباء والشعراء وتستخدمهم
الحكومة ويحترمهم سائر الناس، فَتَبًّا لهذه الأخلاق، ولهؤلاء الجبناء الذين ليس لهم
خلاق!
وأما سبب فشو هذه الفاحشة فيمن ذكرتم فسببه الترف واتباع خطوات مدنية
أوربا في التمتع بالشهوات واللذات وأما فشوه في المدارس ونحوها فسببه بُعد
الرجال هناك عن النساء وتعذُّر الإفضاء إليهن. وليس لهذه المفسدة وأمثالها علاج
إلا التربية الدينية الصحيحة وكماله بإقامة الحدود.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
* * *
التأمين على المال
(س٣) ومنه: كيف يُجري المسلم عقد السكرتاه (التأمين على المال وغيره)
مع الذمي على غير أساس شرعي وكيف يستحل ماله فهل يمكن استخراج أصل
شرعي يستأنس به؟
(ج) قد سألنا هذا السؤالَ كثيرون من أهل مصر ومن غيرها وسنكتب في
ذلك في فرصة أخرى بعد شرح حقيقة هذه المعاملات.

* * *
كينالاروش
(س٤) الحاج أحمد بن عبد الله بإحدى محاكم (ستريت ستلمن - سنغافروه) :
ما قولكم سادتي أدام الله النفع بكم للأنام في الدواء المعروف بكينالاروش، هل
يجوز التداوي به أم لا فإنني كثيرًا ما سمعت من أنه - والله أعلم - ممزوج ببعض
المسكرات غير أنني رأيت كثيرين مداومين استعماله، وللوقوف على الحقيقة
أحببت أن أعرض على سيادتكم هذا السؤال راجيًا منكم نشره في أحد أعداد المنار
والجواب عنه بلا أو نعم ليقف عليه كل من يريد الاستفهام عنه، ودمتم وعناية
المولى ترعاكم.
(ج) نعم بجوز استعماله لمن احتاج إليه فإنه ليس مُسْكِرًا في نفسه، ولا
يجب على المريض البحث عن الأدوية التي يصفها له الطبيب ليعرف هل فيها
جزء من بعض المسكرات أم لا، وإذا عرف أن فيها شيئًا من ذلك فلا يحرم عليه
استعمالها إذا احتاجه للتداوي وإنما يحرم عليه شرب المسكر لأنه مسكر. وإنما
حرّموا القليل من الخمور لأنه يدعو إلى الكثير كما ثبت ذلك نظرًا واستدلالاً
وتجربة في كل زمان ومكان، فشارب القليل لأجل اللذة والنشوة عاص ومنته إلى
الفسق بما يَجُرُّه ذلك إلى الإكثار، وليس في شرب الدواء الذي فيه جزء من مسكر
لأجل التداوي بالمقدار الذي يعينه الطبيب سكر ولا قصد إلى السكر ولا خوف من
الوقوع فيه.
***
صلاة مكشوف الرأس
(س٥) - محمد أفندي حلمي كاتب سجن حلفا: رجل شافعي المذهب
يصلي مكشوف الرأس مع وجود عمامة وطرابيش عنده فهل يجوز ذلك؟
(ج) لا يشترط لصحة الصلاة من الملابس إلا ما يستر العورة وهي عند
الشافعية ما بين السرة والركبة؛ فصلاة مَن ذُكِرَ صحيحة ولكن الله تعالى أمرنا
بالتجمل عند الصلاة بقوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: ٣١) ،
ومن التجمل والزينة في عرف الإسلام ستر الرأس بالعمامة وقد استبدل بها كثير
من المسلمين غيرها كالطربوش فستر الرأس في الصلاة مطلوب شرعًا وتركه
مذموم إلا لعذر وهو من شعائر النصارى.

***
تمثل جبريل للنبي
صلى الله عليه وسلم
(س٦) ومنه: هل رأى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام جبريل عيانًا وهل
كان يجيئه بصورة أحد الصحابة وإذا كان هذا صحيحًا فما الدليل عليه؟
(ج) جبريل هو الروح الذي كان ينزل بالوحي على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وكما جاء في الآيات ما يدل على أن النزول كان روحانيًّا كالتعبير بالنزول
علي القلب ورد فيها أن النبي رأى جبريل وفي ذلك قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ
القُوَى} (النجم: ٥) إلى قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (النجم: ١٣) ،
ولكنهم قالوا إن هذه رؤية مَلَكية روحانية، أي رآه كما خلقه الله تعالى. وورد في
الأحاديث الصحيحة أنه يتمثل له الملك رجلاً أي كما تمثل لمريم عليها السلام
بشرًا سويًّا. وهذا التمثل أيضًا روحاني والذين يدَّعون رؤية الأرواح من الصوفية
وغيرهم يقولون إنها تتمثل لهم بصورة بشرية وورد أيضًا أنه كان يراه بصورة دحية
الكلبي، فإنما تمثل الملك له بصورة رجل، فقد ورد في الصحيح عند الشيخين
وغيرهما. وأما رؤيته بصورة دحية فقد رواه الطبراني عن أنس وإسناده ضعيف.

***
المعراج والرؤية
(س٧) - هل عرج سيدنا محمد إلى السماء بروحه وجسمه أو بروحه دون
جسمه وهل تشرف برؤية الحق جل شأنه عيانًا أو بقلبه وإذا كان كذلك فهل يوجد
إثبات؟
(ج) اختلف العلماء فيما ذكرتم؛ لأنه لا يوجد دليل قطعي يعيّن شيئًا من
هذه الوجوه والأقرب إلى العقل أن ما رُوي من ذلك فهو روحاني. وحديث المعراج
على إطلاقه ورد في أحاديث أحادية تفيد الظن ولكن رؤية الحق لم تثبت بحديث
مرفوع صحيح وقد سئلت عنها عائشة رضي الله عنها فأنكرتها كما ورد في الصحيح
وقالت: (لقد قفّ شَعري..) إلخ، وورد في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم سُئل: هل رأيت ربك؟ فقال: رأيت نورًا. وفي رواية: (نورٌ
أنَّى أراه؟) أي أنه لم ير إلا النور أو أن النور منع من رؤيته، وليس المعنى أن
الله تعالى نور؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: ١١) وقال الإمام الغزالي في
الإحياء: الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى ربه ليلة المعراج، والذين
يثبتون الرؤية يروونها موقوفة على ابن عباس في تفسير: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَتِي
أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} (الإسراء: ٦٠) ، والمعروف في اللغة أن (الرؤيا) هي
ما كان في المنام، و (الرؤية) ما كان في اليقظة، وعلى كل حال يجب أن
تعتقدوا أن الله تعالى منزه عن صفات المخلوقين فلا يمكن أن تكون رؤيته كرؤيتهم
وأن ماورد يُحمل على كمال المعرفة التي تستغرق الروح وكل مداركها والله أعلم.