للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


رأي في موضوع المنار
ورد لنا هذا الرقيم الحكيم من بعض الفضلاء في دار السعادة فعهدنا بترجمته
لبعض البلغاء العارفين باللغتين العربية والتركية فترجمه بتصرف ونشرناه مع
ترجمته لما فيه من الفائدة والتنبيه وهو:
فضائلمند أفندم:
بويكتا، بوبي همتا جريدة كز ايجون رأيمي صوريور سكز، نه ديه يم! آنك
شاننده نه ديسه م ازدر: لسانم قاصر قلمم عاجز أولمسه كو كلمك اسيتديكني
سويلردم. فقط تفاخر وياتمدح ده أولى شوني ديه جكم: بنده كز سويلديكم على
الخصوص يا زدينم هرسوزي إعمال فكر ونظر دن صكره سويلر يازارم (أول
انديشه وانكهي كفتار) بنديني هنوز كوجوك ايكن آلمشدم. بودرس حكمتي نصل
دستور عمل اتخاذ ايتمه يه يم كه (إنسان هرسويلد يكني بيلمه لي فقط هربيلد يكنى
سويلمه ملي) در. اولكي مكتوبمده جريدة كزدن كناية (أوقدر بكندم كه ملكمزده
هنوز مثلي نشرا ولنمديغنه حكم ايتدم) ديمشدم بوسوزم نه برفلتة لسان نه زلة قلمدر،
برامعان برتأمل بر انتقاد نتيجة سيدركه كلمة حق قدر طوغريدر. سز منهج
مستقيمكز ده دوام ايتدكجة بن ده حكمده ثبات ايدرم. سزدن شوني رجا ايدرم كه
يازد قلر كزي فهم سقيم بلا سيله معوكسا تلقي اييتسه لرده فتور كترميكز. عزم
وحزمكزدوجاروهن وخلل أولمسون. حق انكار أولنور ابطال أولنه ماز. قره
بلوطلر كونشي أورتر فقط كيز له يه مز. شبيره متأذي أولورديه كونش ضياسني
نشر ايتمسونمي؟ جاهللر يا كلش اكلارديه طوغري سوز سويلنمسونمي؟ سز دائمًا
حقه اتكال وانكله اشتغال ايديكز. جاحدلر البته دوجار نكال اولور.
(منارك) أوغرا مقده اولد يغي صدماتدن بن سزدن أول خبر اليورم
وسزدن زيادة متأثر أوليورم. بونكله متسلى أوله لم كه بيك أوج يوز بوقدر سته
أول ده منكرين كلام الله بويله يا بمشلردي. كنديسني احيا ايدني افنايه جاليشمق،
خير وشرايله حق وباطل بينني آييره ما مق جاهللرك اك اجينة جق حاللر ندندر.
سزاقد سحر آفرين فصاحت أو اعجاز نماي بلاغت أو ناطق حق وحكمت أوتربيه
أموز امت أولان قلمكزي الكزدن براقميكزهمان يا زيكز. بزي منهاج رشاد وسهراه
سداد سوق يجون مشعل كش هدايت أو لكز. أو كمزده وادئى ويل قدر مخوف
وخطرناك ورطة لر واردر دوشمة يه لم. بزده نه بصرنه بصيرت قالمشدر. يا
زيكزكه انسا تلغمزي اكلايه لم. ترقي وكمالمزه جاليشه لم. هر قاريش طوبراغي
اجداد مزدن برقاج شهيدك قاني بدلي أولان وطنمزدشمنك حرص وطمعندن نعمل
محافظة أو لنور أوكره نه لم. دشمنه عرض افتقار مذلتندن قور تلمق نه ايله ميسر
أو لور بيله لم. نصل برجهل وغفلت ايجنده بولند يغمزي فهم ايده لم. بلكه كندي
مزدن اوتانبرز ونفسمزه خصو صيلة اخلافمزاوله جق اولا دمزه اجيرزد، بر
آزكوزمزي آجارزبلكه (فرق فاحكم) سياستتك نتيجة سيئة سي أو لمق اوزره عدد
مجموعمز قدر متفرق اولان افرادملتمر له اتحاد أو لمق وجوبني تقدير ايدرز باقي
عرض سلام واحترام ايله ختم كلام ايلرم.
***
التعريب
سيدي صاحب الفضائل:
رغبتم إلي في إبداء رأيي بشأن صحيفتكم المنزهة في مشربها وأسلوبها عن
الكفء والنديد، وأحببتم بأن أتناولها بشيء من النقد، وآخذ عليها الطريق ببيان
سقاطها، والتبحث في عثرتها، يارب ماذا أقول؟ مهما أغرقت في نعتها وغلوت
في تبيين مزيتها أكن مضجعًا منقطعًا دون الحقيقة، لو أن لي قوة غير النطق
والكتابة أعبر بها عما يحوك في نفسي من وصف مناركم؟ فإن لساني قاصر وقلمي
حصير كليل، وأيم الله إن في مناركم من حر الكلام وبليغ المعنى وثاقب الرأي ونافذ
البصيرة وخالص النصح ورائع الحكمة وواسع العلم، ما لا يحسن واصف وصفه،
ولا طاقة له بتحديده، إني محدثك ببعض خلائقي وإن عُدَّ مني تمدحًا وتبجحًا، لا
أخط حرفًا ولا أنبس بكلمة ما لم أعمق النظر وأجيل قداح الفكر فيما أكتب أو أقول،
ولقد ألقي في نفسي منذ الحداثة كلمة نصح لم تزل تشملني بركتها إلى الآن، وهي:
(فكر أولاً ثم تكلم) وما أذكر أني سمعت أحسن من قول بعض الحكماء: (ليعلم
المرء كل ما يقول، ولا يقولن كل ما يعلم) وقد اتخذت هذا الذي أُسيِّر به قلمي
قانونًا أعرض عليه جميع أقوالي.
كنت أتيت على وصف المنار في مكتوبي السابق بقولي (ذهب بي الإعجاب
إلى أنه خير ما نشر في بلادنا من الصحف إلى الآن) أجل والله، إن كلمتي هذه
ليست فلتة لسان ولا زلة قلم، بل هي نتيجة الروية وبنت الإمعان، وإن شئت قلت:
توازي كلمة التوحيد في الصحة والصدق، اللهم غفرًا، وأرى أن ثباتكم على هذه
الشاكلة المثلى، ومواصلتكم السير في هذا اللقم القاصد، يضطرني للِّجاج في حكمي
والتصميم على رأيي، ومما أتقدم إليكم بالنصيحة فيه أن لا يلحقكم يأس وقنوط ولا
يرهقن همتكم فتور أو كلال، من أناس مُنوا بضعف المدارك وسفه العقول، فغدوا
يحرفون كلامكم، ويفهمون منه ما لا تريدون، ويحملونه على عكس ما تقصدون،
فويل لهم مما يأفكون، بل قاتلهم الله أَنَّى يؤفكون. الحق يُنكر ولا يُبطَل، السحب
السوداء تستر قرص الشمس ولا تخفى آياتها (شعاعها) تَأَذي الخفاش من ضوء
الشمس هل يمنعها من نثر نضار أشعتها على العالم، ألفة الجهلة لخطأ القول هل
يصرفنا عن النطق بصوابه؟ لا أرى إلا أن تعمدوا أنتم إلى نصرة الحق، وتعكفوا
على خدمته وإعلاء كلمته، ثم تعرضوا عن أغمار القوم وشذاذهم، فإن مصيرهم إلى
زاوية الخزي وهاوية الخذلان.
سيدي: وجمت جدًّا لما يصادفه مناركم من العقبات، وساءني أمره أكثر مما
ساءكم ونما إليّ خبره قبل أن تخبروني، فلنتحصن من زحوف الملمات بمعاقل
الصبر والثبات، ولنبدد جيوش الأسى بالأسي (ج أسوة) بكلام الله الذي قاومه
الجاحدون منذ ألف وثلاثمائة سنة، وحاولوا إطفاء نوره، وأبى الله إلا أن تكون
العاقبة للمتقين، وارحمتاه للجهلة الأغبياء؛ يجتهدون في إماتة ما يحييهم
ويحرصون على إطفاء نورهم الذي يسعى بين أيديهم، لا يفرقون بين الخير والشر،
ولا يفاضلون بين الحق والباطل، ألا ساء ما يفعلون. أليس فعلهم هذا مما يبعث
الأسف والرقة لحالهم، ويثير الحذر والإشفاق على مستقبل هيئة اجتماعهم؟
لا يلفتنكم ما يعرض لكم من العقبات عن الجد في أمركم والسعي وراء
مقصدكم، ولا يجرمنكم ويحملنكم جهل الجاهلين على نبذ القرطاس والقلم، وإنزال
آية الحجاب على ما عندكم من مخدَّرات الحقائق والحكم، دعوا قلمكم وهو خالق
سحر الفصاحة، ومظهر إعجاز البلاغة، والناطق بالحق والحكمة، المعلم تربية
الأمة، يعرج بالأمة إلى مستوى العزة والفخر، ويريها الجادة، ويحذرها ملتويات
الأمور. احملوا أمامنا نبراس الهداية، لنرى سبيل الرشاد، ونسلك نهج السداد، فلا
نقع فيما نُصب في طريقنا من المخاتل، ونتردى فيما أعد لنا من العواثير والمهاوي
التي تضارع وادي الويل الجهنمي. كلَّتْ والله منا البصائر، بل والأبصار.
فاكتبوا لنفهم أننا لم نزل بعد في أفق الإنسانية، لنجِدَّ في بلوغ مراتب المدنية
والكمال الاجتماعي. لنتعلم كيف نحسن الذود عن حوضنا، والذب عن حقيقتنا،
والدفاع عن وطننا الذي شرينا كل شبر من صعيده بدم عدة شهداء من أفراطنا
(أجدادنا) ونعرف كيف ننتاشه من مخالب الأعداء التي ضريت بتمزيقه وتكالبت
على نهشه، لنعلم كيف يتسنى لنا التلُّفت من حبائل الذلة والاستخذاء للعدو،
والتفصي من أثر الحاجة والافتقار إليه. لنكون على بينة من تلك الغفلة التي أظلنا
ركامها، وذلك الجهل الذي نحن في غيابته.
استنهضوا الهمم الخامدة، ونبهوا الأفكار الجامدة، لعلنا نخجل من أنفسنا
ونتبصر في أن لها حقوقًا لا ينبغي إهمالها، فنرثي لحالها، ونفكها من أغلال
الأخلاق والملكات الفاسدة، ومقاطر العادات والتقاليد الخبيثة، ثم نتدرج في التدبر
والحزم فنضع على إحدى عينينا نظارة معظمة، وعلى الأخرى نظارة مقربة،
ونستشرف بهما عماء المستقبل، فنمهد لأعقابنا وأنسالنا فيه مستقرًّا ومتاعًا إلى حين،
ونبوئهم فيه ما نأمن معه على حفظ استقلالهم وجامعتهم، وصيانة دينهم ووطنهم،
لعلنا نتدبر عاقبة التفرق والتشعب، والتخاذل والتواكل، فتسمو هممنا لجمع الأقوام
المتفرقة، وضم الأهواء المتمزقة، ألم يأنِ لأبناء الملة الواحدة أن يقدروا وجوب
الاتحاد والالتحام قدره؟ ألم يأن لهم أن يتفلتوا من شرك هذه السياسة المضرة،
سياسة (فرِّق تَسُدْ) التي مكنت يد العدو من نواصيهم؟ ونير حكمه في رقابهم؟
هل في قدرة غير الله أن يحول هذا البدد إلى لبد، وأن يديل الاتحاد والانضمام من
التصدع والانقسام. وأختم كلامي بعرض سلامي واحترامي.
(المنار)
إن مثل والي بيروت هو الذي يحمل مثل هذا الفاضل من العثمانيين
الصادقين في حب دولتهم المخلصين لسلطانهم على التأفف والتضجر وإطلاق القول
في الانتقاد. قرأ صاحب هذا الرقيم في المنار المقالات الكثيرة التي حضضنا فيها
على اتفاق العثمانيين على الأعمال النافعة التي ترقي أوطانهم، وحذرنا فيها من
الإصغاء لوسوسة الأجانب والأعداء الذين أوضعوا خلال الديار يبغون الفتنة وفيها
سماعون لهم، ورأى أن هذا المنهج لم يرض والي بيروت ومراقبي الجرائد فيها
فسعوا بمنع المنار، ولذلك أشار بقوله: (سياسة فرِّق تَحْكُمْ) وهذه السياسة
الخرقاء يتهم الأعداء فيها الدولة العلية بجريرة بعض الولاة الخائنين الذين يحبون
التفريق لمنافعهم الخاصة، وكفاك بمن ألقى الخلاف والنزاع بين طوائف النصارى
في بيروت، فتحيز لبعضهم وأعرض عن بعض، ولولا أن لرؤسائهم من العقل ما
أمسك بحجزاتهم لوقعت الفتنة وفاض طوفانها على المسلمين والإفرنج، وتداخلت
الدول الأوروبية وكان ما لا تحمد مغبته. ينهي والي بيروت عطوفتلو رشيد بك
بمنع المنار؛ لأننا لم نسر فيه مسراه في (تقويم وقائع) أيام كان يكتب فيها ما كان
جزاؤه عليه من الحضرة السلطانية: الغضب والحرمان من خدمة الحكومة خمس
سنين. إذا كان يدعي أن ما ينشره المنار - وما هو إلا الحث على الاتفاق تحت
لواء الدولة والتربية والتعليم- مضر، فلم لم يرشدنا إلى النافع عندما طلبنا ذلك منه
كتابة غير مرة! هل من العذر اتباعه في ذلك بشارة مراقب الجرائد العربية الذي
طُرد من المكتب الإعدادي طردًا لما لا حاجة لذكره، وخرج جاهلاً لم يتعلم غير
السعي في إيذاء الناس وأكل أموالهم بالباطل! أليس هو الذي سافر في خدمة محمد
أفندي سلطان مصر وأنشأ الأفندي المذكور جريدة (الرياض المصرية) فجاء خادمه
عبد الرحمن الحوت لسوريا، وجمع من بلادنا قيم الاشتراك في الجريدة سلفًا
وأستأثر بها دون صاحب الجريدة، فعطلت لذلك الجريدة وضاعت الأموال على
أربابها، حيث التقمها الحوت وهو مليم؟ هل يعذر الوالي في إناطة مراقبة الجرائد
والكتب التي ترد إلى الولاية بمثل هذا الجاهل الخائن، ليتحكم في العلم والدين بما
تربى عليه، ويكون سببًا في الطعن بالدولة العلية، ونسبتها إلى حب الجهل والفتن
وبُغض العلم والوفاق بين رعاياها؟! إن كان هذا عذرًا فهو كما يقولون (عذر أقبح
من ذنب) أو هو أعظم ذنب.
إنما كتبنا هذه النبذة مع أن مشربنا عدم الكلام في الشخصيات؛ لأجل تبرئة
الدولة العلية مما يرمي إليه رقيم فاضل الآستانة، وبيان أن سياسة الجهالة والتفريق
التي يجري عليها بعض الولاة وأذنابهم لا ترضي سيدنا ومولانا أمير المؤمنين،
وهو بريء منهم ومنها، وهؤلاء الخائنون يوجد مثلهم في كل مملكة، فنسأل الله
تعالى أن يظهر مولانا السلطان الأعظم على أعمالهم المضرة ويوفقه لاصطلامهم،
وتطهير المملكة من خبائث أحكامهم، والله ولي التوفيق.